الانتخابات الأوروبية وهاجس اليمين المتطرف
والعالم لا ينتظر فقط الانتخابات الأوروبية كاختبار للمد الشعبوي، بل يرنو أيضاً إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر) وما إذا كان الرئيس السابق دونالد ترامب سيتمكن من العودة إلى البيت الأبيض.
بين السادس والعاشر من حزيران (يونيو) المقبل، سيذهب الناخبون في دول الاتحاد الأوروبي الـ27 إلى مراكز الاقتراع لاختيار ممثليهم إلى البرلمان الأوروبي لولاية من خمسة أعوام.
وتحظى الانتخابات هذا العام باهتمام استثنائي لأسباب عدة، بينها الحرب الروسية-الأوكرانية وما تركته من انعكاسات على سياسات الدول الأعضاء، وتحديداً على الأوضاع الاقتصادية، لناحية ارتفاع التضخم وزيادة الإنفاق الدفاعي على حساب الكثير من التقديمات الاجتماعية.
وربطاً بالتغييرات التي طرأت على حياة المواطنين في دول الاتحاد، فإن أحزاب اليمين المتطرف هي التي عززت حضورها مستفيدة من استياء الناس من تدهور أوضاعهم الاقتصادية وتراجع دولة الرفاه.
هذا القلق دفع رؤساء إيطاليا وألمانيا والنمسا السبت إلى المطالبة بـ”اتحاد أوروبي قوي” في مواجهة الهجمات المناهضة للديموقراطية، داعين الناخبين إلى التوجه بأعداد كبيرة إلى صناديق الاقتراع.
وكتب الرؤساء الثلاثة الذين يشغلون مناصب شرفية إلى حد كبير، قائلاً “إن القيم الأساسية – أي قيمنا – للتعددية وحقوق الإنسان وسيادة القانون هي موضع نزاع، إن لم تكن مهددة علناً، في جميع أنحاء العالم”. وأضافوا: “ما هو على المحك هنا هو أسس نظامنا الديموقراطي”.
وفي إيطاليا، تتوقع استطلاعات الرأي في شأن نيات التصويت حصول حزب “أخوة إيطاليا” اليميني المتطرف بزعامة رئيسة الحكومة جورجيا ميلوني على 27% من الأصوات. وفي ألمانيا، تضع الاستطلاعات حزب “البديل من أجل ألمانيا” في المرتبة الثانية مع 15% من الأصوات، فيما يُتوقّع أن يحرز حزب “الحرية” النمسوي بدوره تقدماً. وفي فرنسا، يحتل حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبن، المركز الأول في الاستطلاعات، متجاوزاً حزب “النهضة” برئاسة الرئيس إيمانويل ماكرون.
وكل الحسابات تتركز الآن على الخوف من إحراز الأحزاب اليمينية المتطرفة أكبر كتلة في البرلمان الأوروبي، أخذاً في الاعتبار أن الشعبويين باتوا أيضاً قوة فاعلة في بولندا وهولندا ودول أخرى. وتتوالى التساؤلات كيف ستؤثر هذه النتائج لو أتت وفق التوقعات، على وجه القارة.
والعالم لا ينتظر فقط الانتخابات الأوروبية كاختبار للمد الشعبوي، بل يرنو أيضاً إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر) وما إذا كان الرئيس السابق دونالد ترامب سيتمكن من العودة إلى البيت الأبيض، وتالياً تعزيز الخطاب الشعبوي في الولايات المتحدة. ومن المعروف أن ترامب يقيم علاقات صداقة وطيدة مع الرئيس البولندي أنديه دودا المنتمي إلى حزب “العدالة والقانون” المحافظ، ومع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الشعبوي.
ومع توقع احتفاظ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي زعيم حزب “بهاراتيا جاناتا” الهندوسي القومي، يكون المد الشعبوي قد حقق هذا العام اختراقات كبيرة، لا يستثنى منها أيضاً رئيس الوزراء الأرجنتيني خافيير مايلي، بينما تصدر حزب “الحرية” الهولندي بزعامة غيرت فيلدرز المركز الأول في الانتخابات التشريعية التي أجريت في تشرين الثاني من العام الماضي.
وإذا ما جمعت الظواهر الشعبوية المتصاعدة في غير منطقة من العالم، فإن ذلك يؤشر إلى خلل في الأنظمة الاجتماعية بالدرجة الأولى، علاوة على أن تراجع المستويات المعيشية للناس يدفعهم إلى التعلق بالأحزاب اليمينية المتطرفة التي تلعب على الوتر القومي وكره الآخر ومعاداة الهجرة.
وكل هذه إفرازات غير صحية للمجتمعات التي سئمت أيضاً من وعود الأحزاب الليبرالية والوسطية التي يبقى جزء كبير منها خارج التحقق.
وفي كل المقاييس تبقى الانتخابات الأوروبية والأميركية هما المؤشر إلى الوجهة التي سيسلكها العالم، والسياسات التي يمكن أن تعلن عن نفسها، إذا أمسك الشعبويون بالبرلمان الأوروبي وعاد ترامب إلى البيت الأبيض.