ملفات فلسطينية

مؤامرة التهجير المرتقبة.. وسبل المواجهة الممكنة

بالتأكيد مواجهة مخطط التهجير يتطلب استراتيجية مضادة لتثبيت الناس في أرض غزة، من خلال تهيئة الظروف الحياتية الداعمة لصمودهم وثباتهم في مواجهة مخطط التهجير

يعتبر تهجير الشعب الفلسطيني عن أرضه واقتلاعه منها، الهدف الأسمى للمشروع الصهيوني، منذ الانطلاقة الأولى لهذا المشروع الاحلالي الاحتلالي، والمتتبع لمسيرة تاريخ الاستيطان الصهيوني، والاستراتيجيات الصهيونية العملية على أرض فلسطين، وتنظيراتها الفكرية والأدبية، يجد أنها وضعت لنفسها هدفا مركزيا اساسيا، يتمثل في الاستلاء على أكبر قدر ممكن من الأرض الفلسطينية مع أقل عدد سكان فلسطيني ممكن، وصولا إلى افراغ فلسطين من أهلها، لتتحقق المقولة الصهيونية التاريخية الفاشية “شعب بلا أرض لأرض بلا شعب”، بمعنى واضح ومباشر الحركة الصهيونية هدفها شطب الشعب الفلسطيني وإنهاء أي ارتباط له بأرض فلسطين، تاريخيا وحضاريا وديموغرافيا وحتى شعوريا.

لذلك في بداية حرب غزة، قال البعض في اسرائيل أن هذه الحرب جاءت لتصحح الخطأ التاريخي الذي وقع به رئيس الوكالة اليهودية وأول رئيس وزراء لاسرائيل ديفيد بن غوريون، كونه لم يتوسع بتنفيذ الخطة “دالت” للتطهير العرقي ضد الفلسطينيين على كامل الأراضي الفلسطينية، تلك الخطة التي وضعت نصب أعينها طرد وتهجير كل الفلسطينيين، وهنا أعلن الاسرائيلي من اللحظة الأولى أن هدف الحرب على غزة الحقيقي تهجير الشعب الغزي من أرضه، ومن ثم انتقال مخطط التهجير إلى الضفة الغربية بعد تكسير القوة الهجومية للمقاومة في غزة.

الأمر الذي يكشف حقيقة السلوك العسكري الاسرائيلي وخطته العسكرية في حرب الابادة على غزة، وخاصة تدمير كل مناحي الحياة الإنسانية في غزة، والبنى التحتية، المنظومة التعليمية، المنظومة الصحية، مصادر الطاقة، مصادر المياه، وكل ما يمكن أن يوفر إمكانية حياة على أرض غزة، ودفع سكان غزة باتجاه الجنوب، للحدود المصرية، لذلك لم يكن من باب الصدفة تأخير اجتياح مدينة رفح إلى المرحلة الأخيرة من الحرب، وهنا نصل لنتيجة واحدة، أن الاستراتيجية إسرائيلية من وراء حرب غزة، جعلها مكان غير قابل للعيش والحياة الانسانية، وصولا إلى تهجير أهلها.

بالتأكيد مواجهة مخطط التهجير يتطلب استراتيجية مضادة لتثبيت الناس في أرض غزة، من خلال تهيئة الظروف الحياتية الداعمة لصمودهم وثباتهم في مواجهة مخطط التهجير، وهنا تبرز أهمية الاستفادة فلسطينيا من الدعم والمساعدات الإنسانية المقدمة من الدول العربية والإسلامية وكل دولة مستعدة لتقديم العون الاغاثي للشعب الفلسطيني في غزة، واستثمار تلك المساعدات ضمن استراتيجية فلسطينية تخدم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه، وتجنيد كل الجهود، وجعلها تصب في تثبيت الفلسطيني في غزة وافشال مخطط تهجيره، رغم اختلاف دوافع تلك الدول.
مثلت حرب غزة عبرة سياسية قاسية، يجب استخلاص الفلسطينيين الدروس منها، في مقدمة تلك الدروس، السعي إلى الاستفادة من كل الجهود العربية والدولية رغم تنوعها واختلاف اهدافها، والعمل على تجنيدها بالشكل الذي يخدم الأهداف الحقيقية التي تساهم في تعديل موازين القوة لصالح القضية الفلسطينية، المتمثل في هذه الحرب بافشال مخطط التهجير الاسرائيلي.

النموذج التطبيقي الأبرز لهذا الدرس، عملية الفارس الشهم (٣)، التي حصلت على ترحيب الحكومة والفصائل، ومن خلفهم الشعب الفلسطيني في غزة، التي تقودها دولة الامارات العربية، والتي تعتبر من أهم عمليات الإغاثة الإنسانية في غزة، من حيث الكم والنوع والتعدد والتنوع في مشاريعها، والأهم حجم الاستفادة شعبيا من تلك المشاريع المنضوية تحت عملية الفارس الشهم (٣)، وتوزعها الجغرافيا على محافظات شمال غزة كما على جنوبها، لتخفف من آثار المجاعة الإسرائيلية هناك، وتبتكر الوسائل والطرق لإيصال المساعدات لأهل شمال غزة المحاصرين بالجوع والموت الاسرائيلي، ويكفي أن نعلم أن عملية الفارس الشهم (٣) تعتبر الأوسع بين المشاريع الاغاثية في غزة خلال الحرب، حيث أكثر من مليون فلسطيني استفاد من خدمات عملية الفارس الشهم (٣)، سواء من خلال الطرود الغذائية، أو الخدمات الصحية، أو التعليمية، أو تدعيم البنى التحتية، وتوفير الايواء للنازحين، وتحلية مياه الشرب، والتكيات والمخابز وغيرها من المشاريع الاغاثية، التي تصب في مصلحة صمود الشعب الفلسطيني في غزة، وتخفيف آثار حرب الابادة الاسرائيلية الهمجية الممارسة ضده، فرغم أن دولة الامارات تربطها علاقة تطبيع مع إسرائيل، إلا أن عملية الفارس الشهم لا يمكن النظر إليها إلا أنها تصب في مواجه مخطط التهجير الاسرائيلي.

نظرة الشعب الفلسطيني لعملية الفارس الشهم، ابتعدت عن الاحكام المطلقة والمثاليات التي لا تمتلك أي رصيد من الواقعية، وأن الاصطفافات الاقليمية والدولية لن تكون سيفا مسلطا على رقبة الفلسطيني رسميا وشعبيا، لأن الواجب على الفلسطيني أن يجعل فلسطين وشعبها وقضيتها محل التقاء واجماع بين الجميع، ونقطة تجميع لكل الفرقاء في المنطقة والعالم، كل يقدم خدماته ودعمه بالطريقة التي تتناسب مع امكاناته واعتباراته السياسية، ومصالحه الخارجية والداخلية, وكل ذلك يصب في بوتقة صموده وثباته على أرضه و صراعه مع عدوه.

كلمة السر في ذلك يجب ان تكون أولا وأخيرا هي وعي الفلسطيني لجوهر صراعه وطبيعة ظروفه وأولويات مرحلته وحقيقة أهداف عدوه الحالية والمستقبلية، والتمييز بين التكتيكي والاستراتيجي منها، وفي ذات الوقت القدرة لدى الفلسطيني على استثمار القيمة المضافة لدى كل دولة، ومحاولة توظيفها بالطريقة السليمة والصحيحة ضمن استراتيجية فلسطينية وطنية، والاستفادة منها بالحد الاقصى، وفي المقابل ادراك الفلسطيني انه من الطبيعي جدا وجود مساحة من الخلاف والاختلاف بالمصالح والرؤى بينه وبين أي دولة، بل بجب أن ينصب سعيه المركزي على تقليل تلك المساحة بالقدر المستطاع، فمن الطبيعي جدا ألا يجد الفلسطيني دولة تتطابق مصالحها بالكامل مع المصلحة الفلسطينية، لذلك ممارسة مبدأ النسبية في العلاقات الدولية هي رأس الحكمة في السياسة الدولية، الدرس الأهم من حرب غزة.

حسن لافي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى