في ظل أحداث تموج بها المنطقة، وفي ظل عدوان إسرائيلي غاشم علي قطاع غزة وتدمير البنية التحتية لمعظم مناطق القطاع واستشهاد وإصابة أكثر من مائة ألف مواطن فلسطيني، وفي ظل مايشهده العالم من تطورات تنعكس على السياسات الاقتصادية للعديد من دول الشرق الأوسط، جاءت زيارة أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح لمصر ولقاءاته بالرئيس عبدالفتاح السيسي واصطحابه لوفد رفيع أثناء هذه الزيارة، التي تعد الأولي من نوعها منذ توليه مقاليد الحكم في الكويت، جاءت هذه الزيارة لتقدم دفعة قوية للعلاقات التاريخية بين البلدين، إذ تعد الكويت في صدارة الدول التي تحتل مكانة متميزة في سجل العلاقات المصرية مع العديد من دول العالم.
كانت مصر أول دولة تدشن فيها الكويت ملحقية ثقافية افتتحها الرئيس جمال عبدالناصر في عقد الخمسينيات من القرن الماضي، وكانت تلك الملحقية الثقافية النواة الأولى لإنشاء وزارة المعارف التي رأسها السياسي الكويتي البارز عبدالعزيز حسين، وهو رجل لعب أدوارًا مهمة في دعم العلاقات بين البلدين الشقيقين.
وعلي امتداد عدة عقود من تاريخ العلاقات المصرية الكويتية، ظلت مواقف ورؤى البلدين متطابقة في العديد من القضايا، ما يتعلق منها بالأوضاع في المنطقة أو ما يتعلق بالشئون الجارية على الساحة الدولية.
تاريخ العلاقات المصرية – الكويتية مليء بالصفحات الناصعة في مختلف المجالات، ويكفي أن نقف أمام مشهد رائع سجله أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حينما وقف يلقي خطابا في المؤتمر الاقتصادي بمدينة شرم الشيخ عقب الإطاحة بنظام جماعة الاخوان الإرهابية، وأعلن دعم الكويت لمصر بلا حدود، وقد أشاد الرئيس عبدالفتاح السيسي، في أكثر من مناسبة، بدور كل من الكويت والسعودية والإمارات في دعم الاقتصاد المصري خلال السنوات العشر الأخيرة، وأكد الرئيس السيسي أنه لولا وقوف الدول الثلاث مع مصر، لتعرض الاقتصاد المصري لما لا تحمد عقباه.
وفي أول زيارة للرئيس عبدالفتاح السيسي لدولة الكويت في شهر يناير ٢٠١٥، منح الشيخ صباح الأحمد، يرحمه الله، الرئيس السيسي “قلادة مبارك الكبير” التي تعد أعلي وسام كويتي يمنح للملوك والرؤساء.
وجاء رد الجميل المصري لدولة الكويت متمثلا في منح الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح “قلادة النيل” التي تعد أرفع الأوسمة المصرية، ولم يسبق إهداؤها إلا لعدد محدود من الرؤساء والملوك الذين زاروا مصر خلال السبعين عامًا الماضية.
وقد جاءت زيارة الأمير الشيخ مشعل الأحمد لتضيف لبنة جديدة في جدار العلاقات المصرية الكويتية، خاصة إذا عرفنا أن الاستثمارات الكويتية في مصر شهدت خلال السنوات الأخيرة تقدمًا وازدهارًا، كما تحتل العمالة المصرية بالكويت أعلى معدل، قياسًا لأعداد العمالة الوافدة من الدول الأخرى، ويساهم المصريون مع أشقائهم الكويتيين في بناء عصر النهضة بالكويت، الذي بدأ بصدور الدستور عام ١٩٦٢ وإنشاء مجلس الأمة في عهد الشيخ عبدالله السالم الصباح مرورًا بعهود الشيخ صباح السالم والشيخ جابر الأحمد والشيخ صباح الأحمد، ثم الشيخ نواف الأحمد، وأخيرًا عهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح، الذي يأمل الشعب الكويتي أن يعم الخير علي يديه، خاصة أن تاريخه حافل بالمواقف الوطنية.
ونظرة سريعة على البيان المصري – الكويتي المشترك الذي صدر في ختام زيارة أمير الكويت لمصر، تجدر الإشارة إلى تأكيد البلدين على تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية خلال الفترة القادمة، ودعم الكويت للأمن المائي المصري باعتباره جزءًا لا يتجزء من الأمن المائي العربي، ودعم مصر لاستكمال الكويت حدودها البحرية مع دول الجوار وفقًا لقواعد القانون الدولي واحترام سيادة الكويت على إقليمها البري والبحري، وفقًا لما ورد بقرار مجلس الأمن رقم ٨٣٣ لعام ١٩٩٣، هذا، بالإضافة إلي العديد من الأمور التي تضمنها البيان المصري – الكويتي المشترك.
لقد كانت زيارة الشيخ مشعل الأحمد لمصر ناجحة بكل المقاييس، ومن الصعب تلخيص مسار العلاقات المصرية – الكويتية في بضع سطور، إذ هي تحتاج لمجلدات وتوثيق بالإحصاءات والأرقام، فقد كانت ولا تزال نموذجًا للعلاقات التي تتسم بالاحترام والتقدير على مختلف الأصعدة الوطنية والعربية والدولية.
د. عبدالله زلطة