قراءة خاطئة للسياسة الداخلية لواشنطن وتهور إدارة بايدن
حاولت إدارة الرئيس بايدن التأثير على الرأي العام الدولي وتوجيهه من خلال الدعوة إلى حل الدولتين، وهي محاولة لترميم الوضع السياسي الداخلي وإيجاد الحلول المناسبة للوصول إلى حوار مشترك بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
بعد مرور أكثر من ستة أشهر على طوفان الأقصى والهجوم الذي قامت به حماس على المواقع الإسرائيلية، اتضحت ردة فعل الإدارة الأميركية على هذه الهجمات، وكانت ردة فعل الرئيس الأميركي جو بايدن نابعة من قراءة خاطئة للسياسة الداخلية لواشنطن، وهذا ما جعل إدارة بايدن تدفع ثمن التهور في هذا الملف الحساس والذي فيه إعلان حرب واضحة ضد الفلسطينيين، وإبادة جماعية بكل معانيها، وخروج عن السياق العام لأدبيات الحروب الحديثة، والتي يكون فيها المدنيون العزّل بمنأى عن الاستهداف المباشر.
تباينت العلاقات الأميركية – الإسرائيلية كثيراً خصوصاً في عهد الرئيس بايدن حيث لم تكن العلاقات بأحسن أحوالها، وأثار امتناع الولايات المتحدة عن التصويت واستعمال فيتو لوقف قرار ضد إسرائيل تحفظاً لدى الكيان الصهيوني، خاصة بنيامين نتنياهو الذي ألغى زيارة كانت مقررة إلى واشنطن، فالانتخابات الأميركية على الأبواب بالإضافة إلى السياسة الداخلية الأميركية التي أثرت كثيراً على صورة واشنطن أمام العالم، وجعلت من عام 2024 عاماً صعباً على بايدن الذي ينتظر أن يخوض انتخابات تقرر مصيره السياسي، هذا إضافة إلى الدور الأميركي في الأزمة الفلسطينية والذي كان له النصيب الأكبر في تفجير الخلافات.
كان لبايدن دور مؤثر في أحداث غزة والمذابح اليومية التي يقوم بها الكيان الإسرائيلي بدعم مباشر من واشنطن، وبدا ذلك واضحا من قرارات فريق المستشارين المتطابقة مع موقف اليمين الإسرائيلي، ما دعا النشطاء في العالم لإعلان دعمهم للفلسطينيين والمطالبة بمعاقبة بايدن الذي كان المساهم الأكبر في مذابح غزة وباقي المدن الفلسطينية. وتفاقمت الأزمة خصوصاً بعد الدعوى التي تقدمت بها دولة جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، وطريقة التعامل الخاطئة مع هذه القضية من قبل واشنطن واعتبرتها سياسية، الأمر الذي أثار تحفظات المجتمع الدولي بشكل عام.
وحاولت إدارة الرئيس بايدن التأثير على الرأي العام الدولي وتوجيهه من خلال الدعوة إلى حل الدولتين، وهي محاولة لترميم الوضع السياسي الداخلي وإيجاد الحلول المناسبة للوصول إلى حوار مشترك بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ويأتي في السياق ذاته تبييض صورة واشنطن أمام مواطنيها في العمق الأميركي، خصوصاً مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات، حيث بدأت الأزمة الفلسطينية تترك تأثيرا مباشر على شعبية بايدن الذي يراهن كثيراً على ولاية ثانية.
العالم بدأ يدرك أن الإدارة الأميركية متواطئة في جرائم الحرب الإسرائيلية، وبات واضحاً أن هذا الأمر أكبر من قدرة بايدن على التعامل معه، وهو ما أدى إلى امتناع الإدارة الأميركية عن التصويت على القرار رقم 2728، الذي عكس اعترافاً رسمياً ضمنيا مع موقف معظم دول العالم التي تركز اهتمامها على تخفيف معاناة الفلسطينيين، وما جعل خصوم الولايات المتحدة، كالصين وروسيا، يندفعون إلى استغلال هذا الموقف للضغط على واشنطن.
فجأة انقلبت حسابات الرئيس بايدن الداخلية رأساً على عقب بسبب الغضب الدولي، ممّا قوّض مكانة الولايات المتحدة بين العالم، وكان خطأ بايدن استبعاد الفلسطينيين تماماً ومواجهتهم عسكرياً في الرد على أحداث 7 أكتوبر، لتجد إسرائيل مبررا للإمعان بارتكاب مذابح بحق الفلسطينيين، وقطعت شوطاً طويلاً في مشروعها الاستيطاني لتحول دون إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، ونجحت في تعويم العلاقة بينها وبين الحكومة الفلسطينية والتي هي الأخرى وقفت عاجزة أمام التوحش والإيغال الإسرائيلي بقتل الفلسطينيين، وفي كل هذا اعتمدت تل أبيب على موقف واشنطن على مدى عقدين تجاهلت خلالهما القضية الفلسطينية، وقامت بتوسعة المستوطنات الإسرائيلية.
إن محاولة بايدن صنع رأي عام متعاطف مع الفلسطينيين والتغطية على الجرائم الإسرائيلية في غزة لن يغيرا حقيقة أن واشنطن هي من سهّل ارتكاب هذه الجرائم منذ البداية وحتى هذه اللحظة، ولولا هذا الغطاء والدعم اللامحدود لتل أبيب لما أوغلت إسرائيل وتفننت بقتل الأبرياء العزل.