الرئيس الألماني.. ودبلوماسية الشاورما
لا شك أن انتشار الشاورما الواسع مصدر فخر وتباه للأتراك، ولكن المهاجرون الأتراك، الذين يبلغ عددهم في ألمانيا اليوم 3.3 مليون ويمثلون ثلاثة أجيال.
الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير الذي زار تركيا مؤخرا لم يتبادل الأنخاب مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان ومع مستقبليه، بل تبادل معهم شطائر الشاورما، مثيرا زوبعة من جدل لا يخلو من الفكاهة عندما اختار أن يرافقه في زيارته طاه تركي معروف بجودة شطائر الشاورما التي يقدمها للزبائن في مطعم توارثه أبا عن جد في العاصمة برلين.
الطاهي، عارف كيليش، اصطحب معه سيخا من الشاورما يزن 60 كيلوغراما يكفي لإطعام الضيوف الذين توافدوا على قصر الضيافة التركي لاستقبال الرئيس الألماني والوفد المرافق له.
الرسالة التي أراد فالتر شتاينماير إيصالها إلى مضيفيه اختلف في تفسيرها الإعلاميون الذين اجتهدوا في البحث والتنقيب عن مغزاها.
وتساءل بعض الخبثاء ماذا سيصطحب الرئيس الألماني معه لو أنه توجّه إلى بريطانيا، هل سيرافقه طاه مختص بتحضير “الفيش أند شيبس”، وهل كان سيصطحب معه إلى الولايات المتحدة طاه مختص بشطائر الـ”هوت دوغز”؟
وبينما كان سيخ الشاورما يدور في شرفة قصر الرئاسة التركية على ضفاف البوسفور، كان الضيوف يلتهمون الشطائر في الداخل ويتهامسون فيما بينهم مرددين تعليقات ساخرة عمّا أسموه “دبلوماسية شتاينماير للشاورما”.
الرئيس الألماني الذي لم يجد ما يأخذه معه في الزيارة التي جاءت بعد عشر سنوات من آخر زيارة قام بها رئيس ألماني إلى تركيا، سوى سيخ شاورما وهو ما فسر من قبل الإعلاميين على أنه إشارة إلى سطحية العلاقات بين البلدين، رد على تعليقات الصحافيين الخبيثة بقوله “هذا ليس مؤشرا على سطحية العلاقات، بل مؤشر على سطحية الجدل حول الزيارة”.
مضيفا أنه حرص على أن يرافقه وفد متنوع، وأن صانع الشاورما، عارف كيليش، جزء من هذا التنوع الذي يساهم في تشكيل ألمانيا الجديدة.
أما رد أردوغان فجاء مقتضبا وهادئا، ولكن كان حازما “أعتقد أن الشاورما في إسطنبول نفدت”.
شطيرة الشاورما التي تعود أصولها إلى الإمبراطورية العثمانية، في القرن الثامن عشر، واسمها مشتق من الكلمة التركية “سيفيرم” وتعني الدوران، أشهر من أن تحتاج إلى تعريف، وهي اليوم تنافس في شهرتها شطائر البرغر، ويكاد لا يخلو شارع من شوارع المدن الأوروبية ومدن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من مطعم أو أكثر مختص بتقديمها، وتعد من لحم الدجاج أو لحم الضأن وأحيانا من لحوم الأسماك..
لا شك أن انتشار الشاورما الواسع مصدر فخر وتباه للأتراك، ولكن المهاجرون الأتراك، الذين يبلغ عددهم في ألمانيا اليوم 3.3 مليون ويمثلون ثلاثة أجيال، لن يكونوا راضين عن أن يختصر الرئيس الألماني مساهمتهم في بناء ألمانيا بالشاورما.
فعندما أراد الألمان إعادة بناء بلادهم في الستينات واجهوا نقصا حادا بالعمالة، فتوجهوا إلى تركيا لجلب العمالة، ولعب العمال الأتراك دورا مهما في إعادة بناء الاقتصاد الألماني والبنية التحتية، وساهموا في بناء ما بات يشار إليه لاحقا بـ”المعجزة الاقتصادية” الألمانية. والزائر لألمانيا اليوم لن يصعب عليه أن يكتشف الأثر الكبير للجالية التركية المهاجرة على الثقافة والاقتصاد في البلاد.
الأتراك، وإن اختلفوا في تفسيرهم للحدث، إلّا أنهم لن ينسوا الزيارة التي قام بها الرئيس الألماني إلى إسطنبول مسلحا بسيخ من الشاورما.