ثمة قناعة راسخة في وجدان بقايا المؤمنين بالتحرر من قيود الاحتلالات الداخلية أن ما جرى في سوريا منذ أكثر من 13 عاماً من ثورة شعبية تطورت لثورة مسلحة تواجه إفراط النظام في القتل والاعتقال والإخفاء القسري وصولاً لمآلات تعثر الثورة أمام حملات التطهير العرقي والتغيير الديموغرافي والتآمر وفشل صياغة مشروع معارض ومواجه مع تنامي الجماعات الإسلامية التي طفت على سطح الثورة واخترقت كل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية.
كل هذه التطورات أغفلت أمراً مهماً وحساساً في تاريخ مشروع تحرر السوريين ومن خلفهم من كانوا يتوقون لنهاية مثلى لهذا المسار في لبنان والأردن والعراق وكل مساحات المشرق التي خبرت آل الأسد والعصابة التي أحاطت بهم والتي وصلت شرورها لكل دول المنطقة من دون تمييز أو استثناء، ما جرى إغفاله تلك المساحات المضيئة في تاريخ الثورة السورية وهو كيف حولت الثورة الناشطين الميدانيين إلى مشاريع إعلام مؤثر أذاق النظام ويلات فضحه أمام الملأ وكشف خواء التبرير الأجوف بعد سنوات كاد السوريون لا يتذكرون من الإعلام إلا نزار الفرا ولونا الشبل.
في 2018 كانت المفارقة الأكثر كثافة، فالميدان السوري الذي بات يعج بخليط هجين من احتلالات داخلية وقوات مختلفة الجنسيات ودويلات طائفية غير مرسمة الحدود وشمال محرر يعيش ظروفاً أكثر قسوة من تلك المناطق التي يديرها النظام بدعم روسي إيراني يفوق الخيال، من رحم كل هذه الأزمات خلق مشروع “تلفزيون سوريا” كمنصة تعبير عن الحال التي وصلت بها سوريا، سوريا المعارضة قبيل سوريا التي ترزح تحت حكم سفاح العصر.
قدم تلفزيون سوريا نموذجاً جديداً يشبه القيّمين عليه، تمثّل بمشروع إعلامي عربي وسوري يؤمن بالحريات وكرامة الفرد والجماعة ويفتح الباب على نقاشات كانت مقفلة وغير مسموح الغوص بها.
عندما يتحدث المرء عن إعلام معارض لسياسة أو دولة أو نظام أو حتى عصابة مافيا فإن المصداقية عادة ما تكون حلماً منتظراً، فكل الإعلام المعارض الذي خلق من رحم ثورات الربيع العربي لم يقدم نموذجاً للمصداقية وإجراء النقد الذاتي، واكتفت بعض منصات المعارضات العربية إما بانتقاد النظم السياسية أو باختلاق الإشاعات والتبريرات للفشل الثوري.
فيما قدم تلفزيون سوريا نموذجاً جديداً يشبه القيمين عليه، تمثل بمشروع إعلامي عربي وسوري يؤمن بالحريات وكرامة الفرد والجماعة ويفتح الباب على نقاشات كانت مقفلة وغير مسموح الغوص بها، وهذا الأفق الواسع معطوف عليه حرفية في كشف خيوط الأحداث والتدقيق بخلفياتها والسياقات التي أوصلت الأمور إليها.
“خلي عينك على سوريا” ليست شعاراً تطلقه شركة أو مؤسسة في ذكرى تأسيسها السادس، هذا العنوان هو ترجمة فعلية لأهداف المشروع، أي تكون عدسة المراسل في كل شبر من أرض سوريا إذا ما استطاع إليه سبيلاً، أو يكون قلم سوريا ينطق بمعايير الصحافة الحقة، بعد أن تحولت الأقلام لسيف مسلط على رقاب الحقيقة.
“خلي عينك على سوريا” مشروعية مهنية حصدها تلفزيون سوريا حين قرر أن يكون تلفزيون كل السوريين دون تحيزات عرقية أو إثنية أو مذهبية، وحين باتت مشاهداته في مناطق النظام لا تختلف عن الجزء المحرر من الأرض السورية، وهذه المشروعية لا تمنح مجاناً، بل تكتسب بمعايير كخيط رفيع لا يرى بالعين المجردة.
يبقى تلفزيون سوريا بصيص الضوء اللامع في فضاء الكراهية والتدليس الرسمي العربي، ويبقى رافعة أخلاقية ومحضناً مهنياً لكل الطاقات السورية والعربية من دون تمييز.
“خلي عينك على سوريا” هي صوت المعذبين في الأرض من لاجئي شعب أُبعد عن أرضه حقداً وكرهاً لأحقاد دفينة، ويجري حصاره في منافي العالم بعنصرية مقيتة وتهديدات بغيضة وتحميله مسؤولية أزمات العالم دون ذنب، فقط لأنه ينتمي لأغلبية سكان هذه المنطقة، فيما بقي تلفزيون سوريا صوته “شبه الوحيد” في عالم تسوده خطابات الشعبوية وإعلام “علي بتاخد جمهور”.
في الذكرى السنوية السادسة لانطلاقته المجيدة، يبقى تلفزيون سوريا بصيص الضوء اللامع في فضاء الكراهية والتدليس الرسمي العربي، ويبقى رافعة أخلاقية ومحضنا مهنيا لكل الطاقات السورية والعربية دون تمييز أو استنسابية، فيما الحلم الأكبر أن ينتقل من منفانا الاختياري في إسطنبول ليتحول “الصوت الرسمي” لسوريا الديمقراطية التعددية عند رحيل الأسد، وما ذلك على الله بعزيز.