جنازة عمدة الدراما.. والتجسس على الأحياء
كما هو معلوم، قررت نقابة المهن التمثيلية المصرية منع تصوير عزاء الفنان صلاح السعدني الذي أقيم الأحد في مسجد الشرطة بالشيخ زايد، نزولا عند رغبة أسرة الفنان الراحل في أن يقتصر العزاء على العائلة والزملاء، وقال نقيب المهن التمثيلية الفنان أشرف زكي إنه سيتم الاتفاق على وضع أسس وقواعد تحدد آليات حضور مراسم الدفن والجنازات بين نقابة المهن التمثيلية ونقابة الصحافيين “حتى لا تسيء القلة لهذه المهنة العظيمة”.
الحقيقة أن الفنان أحمد السعدني ابن عمدة الدراما المصرية لم يجانب الصواب عندما دعا إلى استبعاد ميكروفونات وكاميرات الصحافيين عن موكب العزاء، لاسيما أن الأمر زاد عن حده خلال الفترة الماضية، وباتت خصوصيات البشر عرضة للانتهاك من قبل كل من هب ودب.
وعليكم أن تتصوروا كيف يلاحق الصحافيون، ومن ورائهم ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي، أهل الفقيد ليجروا معهم مقابلات صحفية على هامش الجنازة أو خلال موكب العزاء، ويطرحوا عليهم أسئلة سخيفة عن سبب الوفاة وآخر ما قاله الفقيد وعن سر غياب فلان وعما إذا كان فلتان اتصل أم لا؟ وبما يشعر الابن بعد فقدان والده أو تشعر الزوجة بعد رحيل زوجها؟
والحقيقة أن الموضوع ليس جديدا، وإنما تم تداوله على أكثر من صعيد منذ سنوات، وأثير حوله جدل حاد، بين رافضين لتصوير الجنازات وانتهاك حرمات الموتى وبين من يعتبر ذلك عملا صحفيا لا غبار عليه، ويدخل في إطار توثيق الحدث والتأريخ للحظة خصوصا عندما يتعلق الأمر بنجوم المجتمع أو بشخصيات عامة معروفة سواء في عالم السياسة أو في مجال الفن أو الثقافة أو الرياضة أو المال والأعمال والإعلام، وهي بتلك الصفة تصبح ملكا للعموم، ولا حق لأسرتها في الاحتفاظ بخصوصية العلاقة بها.
وبالتأكيد، إن ما كانت تسمى سابقا بالصحف الصفراء، وأصبحت حاليا بلا مسمى، لا تقبل بفكرة منعها من تغطية جنازات الراحلين أو من ملاحقة من يتقبلون العزاء ومن يتقدمون به، لأنها تعتبر ذلك جزءا من عملها، ومن الخدمات التي تقدمها لقرائها، وهي تسترزق حتما من كثرة المشاهدات ووفرة المتابعات، وتحتاج إلى أكثر ما يمكن من جنون الإثارة ولو بنزع الكفن عن الميت وتصويره عاريا وهو بين يدي منكر ونكير.
والأمر وصل إلى الناس العاديين، حيث أصبح من المتاح أن ينشر أحدهم صورة تذكارية وهو إلى جانب مريض يحتضر أو بالقرب من جثة ميت قبل نقله إلى مثواه الأخير، وتحولت صفحات التواصل في غالب الأحيان إلى سرادق عزاء ومحاريب دعاء، حتى أن أخبار الحزن غطت على أخبار الفرح. زد على ذلك أن جنائز الأموات تحولت إلى مواكب تجسس على الأحياء، وهو ما يحتاج إلى إعادة نظر.