روسيا

الحرب «الروسية – الأوكرانية».. هل تقبل أوروبا بالهزيمة؟

ليس من مصلحة زيلينسكي خسارة بايدن فرصته بولاية ثانية لأن عودة ترامب إلى البيت الأبيض سيجعل مستقبل المساعدة الأميركية في مهب الريح، فضلاً عن رغبة الرئيس السابق في إقفال النزاع الأوكراني في أسرع وقت ممكن.

يخشى الأوروبيون الآن أكثر من أي يوم مضى أن تنتهي الحرب الروسية – الأوكرانية بهزيمة كييف، في ضوء الوقائع التي أفرزها الصراع الأخطر في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وهذه الوقائع ليست مقتصرة على المشهد الميداني وخطوط القتال، وإنما في تحولات تفرض نفسها في أوروبا والعالم.

لا مجال للهروب من حقيقة التأثير الذي أحدثته حرب غزة المستمرة منذ ستة أشهر على الحرب الأوكرانية. الانشغال الأميركي والأوروبي بات موزعاً بين جبهتين مشتعلتين، وأثّر ذلك ولا شك على الدعم العسكري الأميركي بالدرجة الأولى الذي بات يراعي تسليح إسرائيل على حساب أوكرانيا إلى حد كبير.

الخلافات السياسية داخل الكونغرس التي أدت إلى تأخير المساعدة التي طلبها الرئيس جو بايدن بقيمة 61 مليار دولار لأوكرانيا. الحل الذي يقترحه رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون، هو من وحي أفكار الرئيس السابق دونالد ترامب، على غرار تحويل المساعدة إلى قرض والعمل على مصادرة الأصول الروسية المجمدة في الولايات المتحدة من أجل دعم أوكرانيا بها.

الدول الأوروبية، باستثناء الشرقية منها، ترى أنها قامت بواجبها حيال أوكرانيا على أكمل وجه، من استقبال ملايين اللاجئين، وتقديم المساعدات العسكرية والمالية والتي بلغت عشرات المليارات من الدولارات، إلى فرض دفعة تلو دفعة من العقوبات على روسيا، وأبرزها الحظر على استيراد الطاقة منها.

بعد مضي عامين ونيف على الحرب وفشل الهجوم الأوكراني المضاد الصيف الماضي، فتر حماس بعض الدول الأوروبية حيال الجهد المبذول لدعم كييف، وربما بدأ بعضهم يفكر جدياً في أن الحل التفاوضي قد يكون الطريق الأجدى. وهذا هو المستشار الألماني خلال زيارته لبكين يلح على الرئيس الصيني شي جينبينغ للتدخل لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقبول بتسوية سلمية.

لكن أوكرانيا ترفض الذهاب إلى الحوار في ظل موازين القوى الحالية على الأرض، ولا تزال تعتقد أنها لو حصلت على مزيد من الدفاعات الجوية وعلى مقاتلات متطورة، سيكون في إمكانها دفع الروس خارج أراضيها بما فيها شبه جزيرة القرم. والتسوية في نظر الرئيس فولوديمير زيلينسكي في ظل الوضع الحالي، سترقى إلى مستوى التسليم بكل ما طلبته روسيا منذ بدء الحرب. ولذلك، تحاول كييف تعويض الخيبة التي أصيبت بها بعد فشل الهجوم المضاد، بشن هجمات بالمسيّرات على مصافي النفط الروسية، الشريان الحيوي الذي يمد الكرملين بالتمويل.

لكن ضرب مصافي النفط الروسية سيف ذو حدين ويهدد بأزمة طاقة عالمية بسبب تراجع الصادرات الروسية، وتالياً ارتفاع الأسعار. واضطرت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس إلى الاتصال بزيلينسكي في وقت سابق من الأسبوع كي يتوقف عن ضرب مصافي النفط الروسية، لأن ذلك سيزيد من التضخم في الولايات المتحدة قبل 7 أشهر فقط من الانتخابات الرئاسية الأميركية.

وطبعاً، ليس من مصلحة زيلينسكي خسارة بايدن فرصته بولاية ثانية لأن عودة ترامب إلى البيت الأبيض سيجعل مستقبل المساعدة الأميركية في مهب الريح، فضلاً عن رغبة الرئيس السابق في إقفال النزاع الأوكراني في أسرع وقت ممكن. وسرت الأسبوع الماضي تسريبات عن اقتراح يعتزم ترامب التقدم به يقوم على احتفاظ روسيا بشرق أوكرانيا في مقابل قبول عضوية كييف في حلف شمال الأطلسي. مثل هذا الاقتراح من شأنه أن يؤرق زيلينسكي ومعه قادة زعماء في أوروبا الشرقية.

الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي جورج روبرتسون حذر من أنه لو “خسرت أوكرانيا الحرب، فإن أعداءنا سيقررون شكل النظام العالمي”.

كل هذه العوامل تجعل الأوروبيين عموماً لا يتفاءلون كثيراً بالنسبة إلى وجهة النزاع في أوكرانيا، ويفكرون منذ الآن في “اليوم التالي” في حال خسرت أوكرانيا الحرب.

والمشكلة أن البديل مكلف جداً، ليس أقله استمرار الحرب لسنوات، مع كل ما يعنيه ذلك من استنزاف للقدرات الأوروبية، في حين أن مزيداً من التورط على الطريقة التي يقترحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإرسال قوات غربية إلى أوكرانيا لمنع روسيا من الانتصار، قد تؤدي إلى مواجهة روسية – أطلسية مباشرة ودخول العالم في سيناريوات أكثر كارثية.

أسعد عبود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى