لقد دخلت القضية الفلسطينية إلى كل بيت في هذا العالم وأصبح الجميع يدرك مظلومية الشعب الفلسطيني وعنجهية دولة الاحتلال وظلمها وعدم احترامها للقوانين الدولية، وفوق ذلك كله باتت مئات الملايين من البشر تدرك أن دولة الاحتلال ترتكب الآن حرب إبادة وجرائم حرب في غزة.
لقد تحول الموقف الدولي من داعم إلى إسرائيل بغير وجه حق، إلى متمعن في أفعالها وسلوكها، ومناصر لمعاقبتها.
دولة الاحتلال لم تعد تلك البقرة المقدسة التي لا يمكن انتقادها في الغرب، وأصبح الجميع باستثناء قلة قليلة من السياسيين الغربيين يناصرها ويجاهر بخجل بدعمها.
وفوق كل ذلك، لقد أصبح الموقف من القضية الفلسطينية مسألة حياة أو موت سياسي للرئيس الأميركي الحالي جوزيف بايدن، فهو يقترب من خسارته للانتخابات هذا العام بسبب دعمه لدولة الاحتلال.
ولا يعود السبب إلى دور الجالية العربية والإسلامية فقط في ولاية مثل ميتشغان حيث يتمتع العرب والمسلمون بأعداد كبيرة من الناخبين يمكنها أن ترجح كفة من يفوز فيها بالحصول على أصواتها في انتخابات الرئاسة الأميركية، ولكن لأن موقف الشارع الأميركي يتغير وبقوة ضد إسرائيل.
في ولايات مثل مينيسوتا وويسكونسن لا توجد أعداد مؤثرة من العرب والمسلمين، لكن هنالك أعداداً كبيرة من الأميركيين الديمقراطيين قرروا عدم الالتزام بإعطاء أصواتهم للرئيس بايدن في انتخابات الرئاسة نهاية هذا العام ما لم يغير سياساته تجاه إسرائيل والشعب الفلسطيني. هناك أغلبية اليوم في الشارع الأميركي ترفض تأييد بلادها الأعمى لإسرائيل.
وهذا هو السبب في انتقاد الإدارة الأميركية مؤخراً لإسرائيل، وهو لم يرقَ بعد لاتخاذ مواقف تجبرها على الانسحاب من غزة أو إلزامها بالقانون الدولي الإنساني.
اليوم أيضاً يتحدث الجميع عن أهمية الاعتراف بالدولة الفلسطينية. إسبانيا أعلنت نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وفرنسا والنرويج تفكران في ذلك بالإضافة إلى دول أخرى. لكن علينا أن نُحذر هنا من أن الاعتراف بهذه الدولة دون الاعتراف بحدودها لا يُقدم للقضية الفلسطينية أي نصر سياسي.
ما لم يكن الاعتراف بالدولة الفلسطينية مصحوباً بالاعتراف بحدودها فلا قيمه سياسية لهذا الاعتراف.
ما فائدة تغيير اسم السلطة الفلسطينية وتحويله إلى الدولة الفلسطينية إن كانت الأرض التي يُسمح للسلطة أو الدولة بالعمل فيها لا تتعدى ١٩٪ من مساحة الضفة الغربية.
إسرائيل جاهزة للاعتراف بهذه الدولة الممسوخة وهي جاهزة لتقديم أكثر من ذلك كونها وافقت على صفقة القرن التي طرحها الرئيس ترامب.
إن لم تكن حدود الدولة واضحة، وهي حدود ما قبل حرب العام ١٩٦٧، فإن أي اعتراف بالدولة الفلسطينية لا قيمة سياسية له.
من هنا على السلطة الفلسطينية ألا تطالب العالم بالاعتراف بالدولة الفلسطينية فقط، ولكن بالدولة الفلسطينية على حدود ما قبل عدوان العام ١٩٦٧.
بهذه الطريقة يمكننا إخراج مسألة القدس العربية ومنطقة الغور الفلسطينية من أي مفاوضات مستقبلية، ويمكن للسلطة أن تطالب وأن تمارس صلاحياتها فوراً على الأراضي المعترف بها لهذه الدولة.
المفاوضات يجب ألا تكون على حدود الدولة الفلسطينية، فالضفة بما فيها القدس العربية، وقطاع غزة، هما منطقتان مُحتلتان باعتراف العالم وعلى إسرائيل الخروج منهما.
الأراضي المُحتلة لا يتم التفاوض عليها لأن القيام بذلك يحولها إلى أراضٍ متنازع عليها، وإذا كانت كذلك، فإن الحل لا يكون بأن تحصل على “ما هو لك” ولكن ما يقبل به الطرفان أو ما يقبل بتقديمه الطرف القوي.
إذا سلمنا بهذه الحقيقة، فإن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يصبح ذا قيمة سياسية إذا كان مصحوباً بالاعتراف بحدودها، وأي اعتراف لا يتضمن ذلك هو حركة في نفس المكان، وعودة إلى عملية سلام بائسة لا تعطي سلاماً للفلسطينيين ولكن المزيد من مصادرة أراضيهم وإذلالهم.
ما الذي يمكن التفاوض عليه إذاً؟
يمكن التفاوض على مستقبل المستوطنات في الضفة، على المطالب الأمنية لإسرائيل، على كيفية تحقيق حق العودة للفلسطينيين. والمفاوضات حولها يجب أن تكون أولاً قائمة على القرارات الدولية بشأنها، وثانياً، خاضعة لتحكيم متفق عليه مسبقاً إذا فشلت المفاوضات، وثالثاً، مرتبطة بسقف زمني قصير ومعلن قبل نقل المفاوضات لجهة التحكيم.
إن القبول بأي مفاوضات لا تستند إلى هذه المبادئ فيه تفريط بحقوق الشعب الفلسطيني، وإهدار للتضحيات العظيمة التي قدمها ولا يزال الشعب الفلسطيني في غزة والضفة.
لقد قدم الشعب الفلسطيني أبناءه وبناته وكل ما لديه في هذه الحياة من أجل قضيته، والمطلوب هو الارتقاء لمستوى تضحياته وإلا يتم خذلانه، وهذا يفرض على القيادة الفلسطينية أن تطالب الدول المُعترفة بالدولة الفلسطينية أو التي تريد الاعتراف بها أن يكون اعترافها بالدولة وحدودها، وهو يفرض عليها ألا تتفاوض على حدود الدولة الفلسطينية، وأن تحصر مفاوضتها المستقبلية في قضايا المستوطنات، والأمن، واللاجئين وفق جدول زمني واضح وبوجود جهة تحكيم وبالاستناد إلى القرارات الدولية.