هل نظام الأسد طائفي؟
المشكلة، أن الطائفيين يعرفون، بل ومتأكدون من أن الطائفية سيئة، ووضيعة، ومدانة، لذلك يستبسلون في نفيها عن أنفسهم، وإلصاقها بـ”نظام الأسد” الذي يعادونه ويحاربونه، وهم ينجحون في ذلك غالبًا، لأن هذا النظام “جسمُه لبّيس”
الحديث عن الطائفية، بوجود الإخوة الثوار السوريين، عمل صعب، وشائك، لأن معظمهم، مع الأسف، طائفيون، متعصبون لطائفتهم، ولا بد أن يزعلوا من المتحدث، ويكيلوا له الشتائم.
أنا، محسوبكم، قلت، وأكرر دائمًا، إنني لا أدين الطائفية، ولا أحتقرها، فهي، في المحصلة، وجهة نظر، تصح، أو تخطئ، وكيف أدينها إذا كان عدد الذين يعتنقونها، ويعشقونها، يقدر بمئات الألوف، بل بالملايين، وبينهم شخصيات إعلامية وأدبية وسياسية وازنة؟
المشكلة، أن الطائفيين يعرفون، بل ومتأكدون من أن الطائفية سيئة، ووضيعة، ومدانة، لذلك يستبسلون في نفيها عن أنفسهم، وإلصاقها بـ”نظام الأسد” الذي يعادونه ويحاربونه، وهم ينجحون في ذلك غالبًا، لأن هذا النظام “جسمُه لبّيس”، وشبيه بحاوية الزبالة التي تستطيع أن تلقي فيها ما تشاء من الصفات الوسخة، فلو قلتَ إنه نظام مستبد، قاتل، مجرم، فاشستي، مافيوي، كاذب، فاسد، يميز بين مواطنيه، ويعتقلهم، ويعذبهم، ويميت بعضهم تحت التعذيب، ويضربهم بالكيماوي، وبالبراميل، ويرتكب بحقهم مجازر جماعية، لن تجد من يعارضك، ولكن ما يزعمه المعارضون الطائفيون بأن نظام الأسد طائفي، ليس صحيحًا، وهو دليل على جهلهم التام بطبيعة النظام الذي يحاربونه، فهو، ببساطة، نظام بعثي، سلطوي، مافيوي، يعتمد مبدأ “الولاء”، ويرحب بكل مَن يواليه، بغض النظر عن طائفته، ويفتك بمن يعارضه، كائنًا من يكون.
الحجة الشائعة، التي يركز عليها الثوار والمعارضون الطائفيون، لكي يثبتوا أن النظام طائفي، أن قسمًا كبيرًا ممن يحتلون مراكز قيادية في الجيش والمخابرات، ينتمون للطائفة العلوية، وهذه الحجة تبدو، للوهلة الأولى، مقنعة، ولكن المتعمق في المسألة يستطيع أن يفسرها بسهولة إذا نظر إليها من زاوية “الولاء”، والتعصب للسلطة، ففي النظام علويون، ومسيحيون، ودروز، وسنة، وإسماعيليون، وعرب، وكرد، وتركمان، وإذا أنت تمعنتَ في المشهد جيدًا، تجد أن لأهل السنة وجودًا نوعيًا ثقيلًا، فعدا عن رئاسة مجلس الوزراء التي يحتلها شخص سني دائمًا، ثمة نواب للرئيس، منهم وزراء بحقائب سيادية، مثل وزارة الخارجية، ووزارة الدفاع التي تولاها مصطفى طلاس من 1970 حتى 2004، أي بعد موت حافظ الأسد بسنوات، وقد بقي عبد الحليم خدام يحتل موقع الرجل الثاني في السلطة السورية حتى أواخر 2005، والثوار الطائفيون الذين يركزون على أن ضباط المخابرات الكبار كانوا من العلويين، يتجاهلون أن علي مملوك، وعمر حميدي، ومصطفى التاجر، وعبد الفتاح أبو سيف، وعدنان رامحمداني، ونبهان ساهي، على سبيل المثال لا الحصر، من السنة، وأما عن كثرة الضباط العلويين في سلطة الأسد، فيمكن تفسيره بفكرتين، الأولى أن أبناء مناطق العلويين، خلافًا لأبناء المناطق الأخرى، يتطوعون في الجيش بكثرة، والفكرة الثانية أنهم يوالون النظام بقوة، لسببين، أولهما أن النظام يغدق على من يواليه المال والمناصب بسخاء، وثانيهما أنهم أصبحوا يستشعرون الخطر من طرف الإسلام السياسي السني.
يمكن أن نختم هذه المناقشة بالإشارة إلى أن العلويين (ومثلهم الدروز)، لا يتعاملون مع الفضاء المشترك العام، من خلال المذهب، وفقهه، وهم يختلفون عن السنة والشيعة بأنهم غير متدينين أصلًا، ولا يشكلون جماعات جهادية مسلحة.