يعرف تطور النمو السكاني عبر التاريخ باسم “نظرية التحول الديموغرافي”. وتعتبر هذه النظرية أن المجتمعات تمر تاريخياً بعدد من المراحل التي تقسم غالباً إلى ثلاث، وتعرف المرحلة الأولى منها بالنظام الديموغرافي التقليدي، وتتميز بمعدلات مرتفعة لكل من الوفيات والمواليد، ما يؤدي إلى نمو بطيء جداً للسكان. وتأتي بعدها مرحلة انتقالية تعرف بمرحلة التحول الديموغرافي وتتميز في بدايتها بانخفاض معدل الوفيات وبقاء معدل المواليدمرتفعاً، أما المرحلة الثالثة فتُعرف بالنظام الديمغرافي الحديث وتتميز بمستويات منخفضة جداً للوفيات والمواليد.
وإذا ما ربطنا بين تلك المراحل الديموغرافية والمستوى الاقتصادي للدول، فسنجد أن المجتمعات الزراعية ذات الدخل المحدود تتميز بمعدلات وفيات ومواليد مرتفعة، وبتطور الاقتصاد وتقدمه التدريجي يبدأ معدل الوفيات في الانخفاض بسبب التحسن في التنظيم والمعرفة والعناية الطبية، ليقترب من مستوى معدل المواليد، وينتج من هذا الوضع تباطؤ معدلات النمو السكاني، وشيوع نمط الأسرة صغيرة الحجم.
لترتبط رفاهية السكان بعدد من العوامل والتي يمكن أن يعكسها بند واحد ألا وهو المستوى الاقتصادي، فكلما ارتفع المستوى الاقتصادي للفرد انعكس الأمر على مستوى معيشته هو وأسرته، لتتحدد قدرتهعلى الإنفاق، وبالتالي فرصته في الحصول على مستوى تعليمي أو صحي لائق، وبموجب الإنفاق على الخدمات التعليمية والصحية ودرجة جودتها يتشكل مستقبل الفرد وتوجهاتالارتقاء بالمجتمع ككل.
لتتعدد الكتابات حول التحول الديموغرافي والمراحل التي يتضمنها وعلاقتها بعدد من المصطلحات مثل “التحديث” و”التطور الاقتصادي والاجتماعي” و”التقدم” و”التصنيع” و”التمدين” و”النمو الاقتصادي” و”انتشار التعليم”. لتشير هذه العبارات في مجملها إلى التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي ارتبطت بالثورة الصناعية.
والصعوبة هنا لا تكمن في المصطلحات بقدر ما تكمن في التأثير الفعلي لهذا العامل أو عدم تأثيره. ليعبر التحول الديموغرافي عنتغيير في أنماط المجتمع والاقتصاد بفعل التطورات التي طرأت على قطاعات الاقتصاد العالمي، والناتج عن تربع القطاع الصناعي على عرش الدخل القومي وتأثيره على تكوين رأس المال، وانعكاس ذلك على سلوك الافراد في الحد من أعداد الأبناء، وتنظيم أكثر للأسرة رغبةً في رفع مستويات المعيشة. ليظل تأثير بعض العوامل الثقافية عائق أمامتلك التوجهات المرتبطة بصغر حجم الأسرة، والتي يدعمها المستوى التعليمي للمرأة ومكان الإقامة ما بين الريف أو الحضر.
ووفقاً لبيانات عام 2023 فقد بلغ عدد سكان الدول العربية نحو 461 مليون نسمة، لتحتل مصر المرتبةالأولى بنصيب يقترب من 25% من إجمالي عدد سكان الدول العربية، ومن المتوقع أن يصل عدد سكان الدول العربية إلى 595 مليون نسمة بحلول عام 2050، محققاً معدل نمو اقترب من 700% مقارنة بعام 1950، والذي بلغ فيه عدد سكان الدول العربية 75 مليون نسمة.وإذا ما نظرنا إلى ما يعرف بالهرم السكاني وهو الرسم البياني الموضح لتوزيع السكان حسب فئاتهم العمرية والنوع بين الذكور والإناث، فسنجد أن شكله المعتاد قاعدة عريضة تمثل معدل المواليد.
وتمثل قمته نسبة كبار السن، وفي المنتصف نسبة القوى العاملة، وتختلف تلك التركيبة من دولة إلى أخرى وفقاً لمعدلات المواليد والوفيات بها، وإذا ما نظرنا إلى الدول العربية عام 2020، فسنجد أن الفئة العمرية للمواليد تمثل نحو 32.6%، والفئة العمرية العاملة بين 15-65 عاما تصل نسبتها إلى 62.7%، وتصل نسبة كبار السن إلى 4.8%، ومن المتوقع بحلول عام 2030 أن تنخفض نسبة فئة المواليد لتصل إلى 29.7% وترتفع نسبة الفئة العاملة لتصل إلى 64.1%، إلا أن الفئة ذات الارتفاع الأكبر هي فئة كبار السن إذ ستصل نسبتهم إلى 6.2% بمعدل زيادة متوقعة 29% مقارنة بنسبتهم عام 2020 في الهرم السكاني، وهو الامر الذي يجب أن يؤخذ في الاعتبار، حيث تصل حالياًمتوسط نسبة الاعالة الكلية فى الوطن العربى 55%، أما نسبة الاعالة الحقيقية فيصل متوسط نسبتها إلى 322%.
ليزداد التفكر في علاقة النمو السكاني بالتنمية الاقتصادية، ما بين منتقد ومؤيد، ليرى المنتقد أن العلاقة سلبية، بمعنى أن النمو السكاني يؤدي إلى تآكل ثمار التنمية، في حين يرى المؤيد أن العلاقة طردية بمعني أن النمو السكاني قد يساهم في زيادة النمو الاقتصادي من بإرساءتحفيز التطور التكنولوجي والابتكار المؤسسي وزيادة الإنتاج وانخفاض نفقاته نتيجة الإنتاج على مستويات كبيرة، وكذلك زيادة عدد المبدعين والعباقرة والأفراد ذوي القدرات الاستثنائية القادرين على إحداث التحولات المستقبلية المرغوبة.
وفي إطار ما سبق أرى أنه من الأفضل العمل على محورين لتحقيق التنمية الاقتصادية، ألا وهما استغلال القدرات السكانية الحالية، وفي ذات الوقت العمل على الحد من الزيادةالسكانية العشوائية مستقبلاً، وذلك بنشر ثقافة تنظيم الأسرة وأهمية المشاركة الاقتصادية لجميع أفراد المجتمع، لما له من أثر إيجابي على رفع مستويات المعيشة، المرتبطة بالحصول على تعليم وخدمات صحية لائقة.
وبالوصول إلى ذلك يصبح النمو السكاني طريقاً لتحقيق التنمية الاقتصادية، من خلال تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة وبخاصة في المجال الاقتصادي وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتيسير سبل عمل المرأة دون انتقاص من حقوق أسرتها، وبما يتلاءم مع ظروف كل فرد، لينعكس الأمر بالإيجاب على جودة حياة المواطنين.