أعلن وزير الثقافة محمد وسام المرتضى نقل مكتبه إلى طرابلس «ليستكمل عن كثب الاستعدادات الجارية لإقامة فعاليّة «طرابلس عاصمة للثّقافة العربيّة للعام 2024» وأنّه سيداوِم في مدينة طرابلس لمتابعة الملف الثّقافي، وعقد اللّقاءات والاجتماعات مع الشّخصيّات الثّقافيّة والفكريّة من كل لبنان، ومع سفراء الدّول المعنيّة بالمشاركة في الفعاليّة، وأيضاً للقاء كلّ جهة محليّة مهتمّة بالفعاليّة للتّباحث في البرامج المخصّصة لإحيائها».
ومنذ قدوم الوزير مرتضى إلى عاصمة الشمال نشأت جدليّة سياسية حول أهداف هذه الخطوة غير المسبوقة في قيام وزير في الحكومة اللبنانية بنقل مكتبه خارج العاصمة والعمل منه لمواكبة حدثٍ أو نشاط، فتتالت الأسئلة حول أبعاد ما يفعله وزير الثنائي الشيعي في طرابلس وهل ما يحصل اختراق أم انفتاح؟
وبرزت التساؤلات من الخلفية السياسية للوزير المرتضى ومن مقاربة بعض مواقفه التي اشتُهِر بها في فترات الاحتكاك السياسي سواء في قضية جريمة تفجير مرفأ بيروت ومسألة التحقيقات ودفاعه عن وزراء حركة «أمل» في رفض مثولهم أمام القاضي طارق البيطار، أو في اصطفافه داخل الحكومة عموماً أو مواقفه من بعض القضايا ذات البعد الثقافي، وكان السؤال الأهم: لماذا اتخذ الوزير هذا القرار؟ وهل دوافعه ثقافيّة صرفة أم أنّ هناك بُعداً سياسياً لها؟
يُدرِك الوزير المرتضى عُمقَ الإشكالية التي تفصل طرابلس ورأيها العام عن خيارات «حزب الله» بشكل رئيس وحركة «أمل» تالياً، ولهذا البُعد تراكمات كبيرة لها صلة بتاريخ المدينة التي اضطهدها النظام السوري ثمّ أردفها بتفجيري مسجدي التقوى والسلام، فضلاً عن الفاصل السياسي الكبير الذي نشأ منذ اتهامه باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما تلاه من اغتيالات وانقلاب في 7 ايار حتى اليوم، فضلاً عن التراكمات الناشئة بعد مشاركة «الحزب» في الحرب السورية. لهذه الأسباب لم يتقبّل الطرابلسيون المساعدات التي يرسلها «حزب الله» وبقيت تُوزَّع على المجموعات الموالية له في المدينة، ولا يزال التحفّظ سائداً تجاه أي خطوة يقوم بها، بينما لم يُسجَّل لحركة «أمل» مبادراتٌ مماثلة، وبالتالي لا يمكن الحكم على الموقف منها سلفاً وإن كان القياس قد يكون متشابهاً من حيث الحكم العام.
لكنّ خطوة الوزير المرتضى قوبلت بترحيب طرابلسيّ شمل معارضي الثنائي الشيعي ومؤيديه على حدٍّ سواء، فوجدنا النائب أشرف ريفي يلتقي به ويبدي كلّ التعاون لإنجاح فعالية «طرابلس عاصمة الثقافة العربية» ولاتخاذ كلّ الخطوات المطلوبة لحسن استثمار هذه المبادرة، بينما شكّل النائب إيهاب مطر فريق عمل يتفرّغ للمساعدة في طرح الأفكار وتنظيم الأنشطة والدفع بها للتنفيذ، في حين ساهمت مؤسسة النائب فؤاد مخزومي في عدد من التحرّكات في حين تشكلت مجموعة عمل من مؤسسات المجتمع المدني والأهلي، بالتعاون مع الرابطة الثقافية وهي المؤسسة الأعرق في المدينة لتنسيق الإطار العام للأنشطة المقترحة والمقرّرة.
في المقابل، أبدى الوزير المرتضى حرصاً واضحاً على التعامل بانفتاحٍ وتعاون مع جميع من تواصل معه والتقاه مبدياً الاستعداد لبذل كل الجهود المطلوبة لنجاح فعالية «طرابلس عاصمة الثقافة العربية»، وهو في الوقت ذاته وضع نفسه أمام امتحان النجاح أو الفشل، وربما يراهن على أنّ مكامن القوى في طرابلس ستتحرّك لكسر الاضطراب الأمني لصالح الاستقرار.
في زيارته لمركز مولوي الثقافي يوم الأربعاء الماضي قال المرتضى كلاماً كشف بعض الأدوار التي يلعبها في المدينة من وراء الستار، فهو تحدّث عن مساعٍ حثيثة بذلها بمشاركة مفتي طرابلس الشيخ محمد إمام والنائبين ريفي ومطر مع رئيس وأعضاء مجلس بلدية طرابلس للحفاظ على وحدة المجلس ومنع انفراطه بعد عودة الدكتور رياض يمق إلى رئاسته، لأنّ سقوط المجلس سيزيد الأزمة البلدية وسيؤدي إلى تدهور خطر في الخدمات القائمة للبلدية حالياً، وهو دعا المجتمع المدني إلى إحاصة المجلس رئيساً وأعضاء ومساعدتهم في تقطيع المرحلة الحالية الصعبة، وصولاً إلى انتخاباتٍ بلدية يختار فيها الطرابلسيون مجلساً منسجماً من أهل الكفاءة والاقتدار.
يكشف الوزير المرتضى أنّه تلقّى دعوة لزيارة المملكة العربية السعودية وأنّه بصدد تشكيل وفد من نُخب طرابلس لمشاركته هذه الزيارة اللافتة في شكلها وفي مضمونها، واللافتة أيضاً في اختيار وزيرٍ من الثنائي الشيعي لزيارة المملكة وفي حرصه على أن يكون أعضاء الوفد من «عاصمة السنة». وهي زيارةٌ لا تشبه في الشكل زيارة وفيق صفا إلى الإمارات العربية المتحدة، لكنّها مؤشِّر انفتاح سعودي لا يمكن التقليل من أهميته، فلطالما كانت الثقافة مفتاحاً للحوار والدبلوماسية الفعالة.
لم تأخذ طرابلس موقفاً مذهبياً في مختلف مراحل الصراع، وهي استقبلت مبادرة الوزير المرتضى بالتحية والترحاب بانتظار أن تحصل تحوّلات أكبر وأوسع تُنهي أزمة لبنان الدستورية والوجودية وتعيد التوازن الصحيح للمؤسسات فينتعش مشروع الدولة وتزول اسباب الشقاق ودواعي الاختراق!