بين الغزيين الذين يذبحون بآلة الاحتلال وحماس فجوة كبيرة
صحيح أن الحركة خرجت من الشعب وبيوته. لكنها حين تخرج منه تصبح كيانا منفصلا يشبه النتوء المتيبس الذي يبرز خارج الجسم.
الفجوة بين النسبة الأكبر من الغزيين الذين يذبحون بآلة إبادة الاحتلال كل ثانية. وبين حماس فجوة كبيرة.
وهي فجوة مشاعر وآلام وتصورات وأهداف ووقائع حياة.
صحيح أن الحركة خرجت من الشعب وبيوته. لكنها حين تخرج منه تصبح كيانا منفصلا يشبه النتوء المتيبس الذي يبرز خارج الجسم.
فللحركة ميثاقها ومبادئها وقوانينها الحزبية الداخلية. مما يجعلها حركة مغلقة. تقصي من لا ينتمي إليها وتبعده. وتجعله مواطنا من الدرجة الثانية. ليس له مثل حقوق أعضائها.
الحقوق المنقوصة بين مواطني الدرجة الثانية والذين يشكلون الغالبية العظمي في غزة كثيرة ومتنوعة. ومنها وليس أهمها الحق في الانتخاب.
بينما عطلت الحركة في غزة منذ الانقلاب عام 2007 جميع أشكال الانتخابات العامة والديمقراطية. تجري هي بشكل منتظم انتخاباتها الداخلية الحركية. أعضاؤها فقط داخل الحركة يحق لهم الانتخاب. بينما من هم خارج الحركة لا يمارسون هذا الحق. البعض في غزة وصل عمره 34 سنة ولم يمارس هذا الحق ولو مرة واحدة في حياته.
في نهاية الانتخابات التي تجريها الحركة. تقع ازدواجية مروعة بحق المواطنين غير المنتمين لها. من ناحية هم لم ينتخبوا مسؤولي غزة الذين أفرزتهم انتخابات الحركة الداخلية. ومن ناحية أخرى هم مضطرون للخضوع والاستسلام لسيطرة وحكم هؤلاء المسؤولين الفائزين في الانتخابات بحكم سيطرتهم على كامل غزة وإدارتها. والذين يقررون جميع شؤونها بما فيها قرارات السلم والحرب. قليلون هم الذين يتمردون على هذه الازدواجية وفي العادة تجري معالجتهم معالجة أمنية.
هذه الفجوة العميقة والكبيرة في الحقوق والواجبات أدت إلى أوقات من الصدام بين الحركة. ومكونات الشعب الأخرى
كان أبرزها حراك بدنا نعيش. وجرت أيضا معالجته معالجة أمنية بقمعه.
ما يجري الأن من انفصال حسابات الحركة. عن حسابات المواطنين الذين يصرخون ويستغيثون ويذبحون بآلة الإبادة الإسرائيلية. ويتوسلون طوب الأرض بأن تتوقف عمليات قصفهم وقتلهم وإعداماتهم. غير بعيد عن هذه الفجوة وتراكماتها منذ سنوات. لا يتحدث أي مسؤول في حماس على أن الحالة التي يعيشها الناس من قصف وتشرد واعتقالات في غزة هي من أهداف الحرب. بل يعتبرون أن العدو لم يحقق أي هدف رغم النكبة التي تحدث بمقتل أكثر من 32 ألفا. وجرح أكثر من 70 ألفا. وتدمير غزة.
عامل الوقت أيضا ليس ضمن حسابات المفاوضين السياسيين. ويعتبرونه غير ذات قيمة. وهو يشبه المواطنين. ليس ضمن الحسابات. ويظهرون أنهم يتمتعون بفتور وبرود وعدم مبالاة وأحيانا بابتسامات هادئة عبر وسائل الإعلام رغم مرور ستة أشهر على حمام الدم. وما يعنيهم هو تحقيق أهدافهم.
ما يجري الآن في غزة. ليس وليد هذه الحرب. ولكن له جذور عميقة. وتراكمات من الأخطاء. يشعر بعض المواطنين بالرضا النفسي الداخلي رغم بشاعة المجازر. لأنهم يعتقدون بأن القدر ينتقم منهم ويؤدبهم على صمتهم على هذه الأخطاء طوال السنوات الماضية. كما يهمسون لي.
لكن أغرب ما في المشهد أن الحركة حين تريد استنفار المواطنين غير المنتمين إليها. لمؤازرتها والوقوف معها كحاضنة ىشعبية. فإنها لا تتحدث عن قانون الحقوق والواجبات الذي يظلم فيه المواطن العادي غير المنتمي. ولكنها تتحدث عن قانون آخر يوحد الجميع. ويستدر عاطفتهم. وهو القانون الديني في المواجهة والجهاا.د. ومن يخالفه سيكون منبوذا وربما يصل إلى درجة الخيانة.
هذا الانفصال. وهذه الديناميات المعقدة والمتناقضة والازدواجية. تبدو في بعض الأحيان مبررة ومقبولة في ظل الفوضى وعدم الشعور بالمسؤولية أو الخوف من المحاسبة. لكنها في الأخير لا تحقق أي نتائج بل تعمق المأساة كما يحدث الآن.