فساد أبناء أصحاب السُلطة في إيران
اُعتُقِل 12 قاضياً وموظفاً رفيعاً في السلطة القضائية ثُبت ضلوعهم في ملف فساد الأخوين مصدق، وثُبت بالأدلة واعترافات الموقوفين بأن محمد مصدق كهنموئي كان مطلعاً على بعض قضايا الفساد.
عقب تدهور العملة وتخبط وانهيار الاقتصاد الإيرانيين، وبعد الانتخابات مباشرة، تثار مسرحية جديدة من مسرحيات استعراض النزاهة والشفافية داخل أروقة النظام الإيراني للتغطية على الفشل الذريع في الانتخابات الأخيرة.. مسرحية من أجل إنجاحها والتغطية على فضيحة سرقة أكثر من ملياري دولار لا بد من سيناريو وقرابين.. وما خفي أعظم.
كيف تم كشف جريمة تورط أبناء النائب الأول لرئيس السلطة القضائية الإيرانية محمد مصدق كهنموئي في قضايا فساد مالي؟ وما الذي دفع بالنائب الأول لرئيس السلطة القضائية في نظام الولي الفقيه إلى الاستقالة؟
بداية أقول ما أعظم الفارق بين الزعيم محمد مصدق رحمة الله عليه محرر الشعب الإيراني ومقدراته وصانع مجده المعاصر.. وبين ملالي السلطة والسلطان اليوم ومحمد مصدق كهنموئي خاصتهم.. رحل الزعيم مُصدق عن الحياة لكنه بقي خالدا مكرماً في القلوب والعقول على عكس مصدق كهنموئي وكباره الذين تلمذوه على أيديهم فأبدع وأبدع أبناؤه.
تُعلن السلطة القضائية لدى نظام ولاية الفقيه في إيران يوم 13 آذار (مارس) 2024 استقالة محمد مصدق كهنموئي، النائب الأول لـرئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني ايجئي، وهو أحد الجلادين سيئي الصيت في نظام الولي الفقيه، ومن لا يعرف محمد مصدق كهنموئي فقد كان رئيساً للمحكمة الإدارية وتم تعيينه من قبل رئيس جمهورية الملالي المُلا رئيسي بتاريخ 13 تموز (يوليو) 2021 كنائب أول لرئيس سلطة الملالي القضائية التي تبدو مؤسسة يرتع فيها الفساد والجريمة معاً منذ تأسيسها.
وقد فارقها المُلا رئيسي ويداه غارقة بالدماء، وقد كان آخر ضحاياه 1500 بريء ما عدا السجناء والمفقودين في انتفاضة تشرين الأول (نوفمبر) 2019، ولا صحة فيما أعلنته تلك السلطة وما قاله رئيسها المُلا ايجئي: “بالرغم من أن وجودك في هذا المنصب لم ولن يكون له أي تأثير على معالجة القضية المذكورة، ولكن بناء على طلبك والنقاط التي أثرتها فإنه تم قبول استقالتك”، خاصة في نظام لا يعرف ثقافة الاستقالة بسبب عار الفضائح ولو كانت لديهم هذه الثقافة لما بقي منهم أحداً في منصبه.
كيف كُشِفت جرائم أبناء النائب الأول لرئيس السلطة القضائية الإيرانية محمد مصدق؟
قبل الولوج إلى دوافع الاستقالة، يجب معرفة كيف كُشِفت جرائم أبناء محمد كهنموئي، فقد بدأت القضية بالخلاف بين حرس الملالي مع رجل الأعمال محمد رستمي وهو من المقربين على ما يبدو إلى متنفذين آخرين في سلطة الملالي، وقد أخرج رجل الأعمال هذا ملياري دولار خارج البلاد وقد حصل عليها بالسعر الرسمي لدى البنك المركزي الإيراني، ومهما كانت ذريعة إخراج هذا المبلغ الهائل، فإنه لا يمكن خروجه دون تنسيق مع جهات عليا متنفذة، وقد جرت تحقيقات ومحاكمة طالت محمد رستمي وحُكِم عليه بالسجن وإعادة الأموال ودفع غرامة تعادل 181 مليون يورو، ولم يقم رستمي بإعادة الأموال ولا دفع الغرامة.
وقالت السلطات أنه لم يتمكن من ذلك والفارق كبير بين من لم يُعد الأموال وبين من لم تمكن من إعادتها، وتم التكتم على قضية الفساد هذه منذ عام 2013، ونتيجة للصراعات الدائرة بين أفاعي سلطة ولاية الفقيه اعترف رستمي بأنه دفع 50 مليون دولار لأبناء محمد مصدق كهنموئي (محمد صادق مصدق وأمير حسين مصدق) لغلق ملف القضية لكنهما لم يفعلا ذلك، وتبين أن الأخوين مصدق يعملان بالإضافة إلى 21 آخرين ضمن شبكة نفوذ منظمة وغسل أموال.
وقد استغرق الأمر عشر سنوات من الصراعات داخل أروقة النظام حتى افتضح الأمر بهذا الحجم نتيجة لكثرة المتهمين والمتورطين وعدم السيطرة على الموقف وتراكمت التهم الموجهة لهما ولآخرين في حكومة المُلا رئيسي حيث اُعتُقِل 12 قاضياً وموظفاً رفيعاً في السلطة القضائية ثُبت ضلوعهم في ملف فساد الأخوين مصدق، وثُبت بالأدلة واعترافات الموقوفين بأن محمد مصدق كهنموئي كان مطلعاً على بعض قضايا الفساد ومتغاضياً عنها أو ضالعاً فيها.
وقيل أنه أصدر أوامر قضائية تسمح لهما بإخراج الأموال من المطارات دون تفتيش وتسمح بنقل الأموال التي بحوزتهم وتلك التي حصلوا وشركاؤهم عليها من خلال شبكة نفوذهم وفسادهم إلى تركيا ودول أجنبية أخرى حيث يتم استثمار الأموال في شراء العقارات والأسهم في شركات أوروبية وأميركية، وتبين أن الأخوين مصدق حصلا من خلال سلطة والدهما مراراً على توصيات للقضاة لتسهيل التعامل مع بعض الأشخاص المتهمين في ملفات الفساد لإطالة التحقيقات في القضايا المتهمين بها لإيصالها لمرحلة إغلاقها.
واعترف بعض القضاة الموقوفين على ذمة القضية مؤكدين أنهم حصلوا على تلك التوصيات وعملوا بموجبها على أساس أنها صادرة من الولي الفقيه علي خامنئي أو رئيس السلطة القضائية وقد نقلها إليهم مصدق، وتلك هي السلطة القضائية من رئيسها السابق إلى الحالي ونائبه وولديه، وتلك هي محاربة الفساد التي تعهد بها المُلا إبراهيم رئيسي.
ختاماً، الحقيقة هي أن أبناء محمد مصدق كهنموئي ليسوا أول المجرمين ولا آخرهم ولا كبارهم بل هم قرابين صغيرة يُفتدى بها حيتان الفساد الكبيرة في النظام، وما قضية استقالته إلا صفقة ينجو وهو ورؤوساً أكبر منه من خلالها، ولا بأس إن دفع أبناؤه ثمنها ومكثوا شأنهم شأن المُنعمين خلف القضبان.