التحديات الصعبة تخلق الفرص، وفي ظل التحديات السياسية والإنسانية الكارثية التي يواجهها الشعب الفلسطيني، تتجلى أهمية وجود دولة فلسطينية مستقلة بوجوه جديدة، بعيداً عن مغامرات حركة حماس أو حتى جمود سلطة محمود عباس، والتجديد في القيادة الفلسطينية يعدّ أحد المفاتيح الرئيسية لتحقيق السلام، وإنهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي الذي يعتبر من أكثر الصراعات تعقيدًا في العالم، والتي لن تحسمها أنصاف الحلول. بل الحل الواقعي الوحيد يكمن في حل الدولتين وإنشاء دولة فلسطينية جنبًا إلى جنب مع دولة إسرائيلية، ويمكن تحقيق ذلك عبر مسارات مبتكرة تحقق السلام العادل والشامل، ومبنية على أساس المبادئ الدولية وقرارات الشرعية الدولية، ما سيحقق توازن القوى والأمن والاستقرار في المنطقة.
أصبحت أهمية إنشاء دولة فلسطينية أكثر إلحاحًا، في ظل الواقع المأساوي في قطاع غزة نتيجة للحصار الإسرائيلي المفروض عليها منذ سنوات، وعلى إثر الحرب الراهنة في غزة، ما أدى إلى انعدام الفرص الاقتصادية والاجتماعية، وتدهور الأوضاع الإنسانية حيث يعيش السكان تحت ظروف قاسية، مع نقص واسع في الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والرعاية الصحية. بالتالي، فإن وجود دولة فلسطينية في ظل الوضع الراهن في غزة يعتبر فرصة حاسمة لبناء مستقبل أفضل للشعب الفلسطيني، وخطوة مهمة لتعزيز العدالة الدولية واحترام حقوق الإنسان، ويمثل إحلالًا للعدالة للشعب الفلسطيني الذي عانى من الظلم والاحتلال لعقود.
تحقيق وجود دولة فلسطينية في ظل الصراع الداخلي بين السلطة الفلسطينية وحماس، وفي ظل تعنت حكومة بنيامين نتنياهو يعتبر تحديا كبيرًا، ويتطلب جهودًا دولية وإقليمية مشتركة، بالإضافة إلى التزام حاسم وصادق من الأطراف المعنية، ومن الضروري استخدام مسارات إستراتيجية مختلفة ومتنوعة. ولعل أبرزها، الوساطة الدولية والإقليمية الفاعلة حيث من الممكن أن تلعب الدول الرئيسية والمنظمات الدولية دورًا محوريًا في تسهيل المحادثات والتوسط بين الأطراف المتصارعة، وضرورة أن يشمل أيّ حل سلمي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي إشراك جميع الأطراف المعنية المرتبطة بالصراع.
لقد استغلت إسرائيل الانشقاق الفلسطيني الداخلي والفشل الإداري في الضفة الغربية وقطاع غزة، سواء كانت السلطة الفلسطينية التي لم تحقق شيئا يذكر للشعب الفلسطيني خلال العقدين الماضيين غير التفرج، أو حماس التابعة للحرس الثوري الإيراني والتي تخدم أجندات إيران. ولهذا، يجب تحفيز الحوار الداخلي بين الفلسطينيين، والتوافق على إستراتيجية واضحة لتحقيق الهدف المشترك لإنشاء دولة فلسطينية، فمن الواضح أن كلا الطرفين يسير باتجاهات معاكسة، لم تتقدم من خلالها القضية الفلسطينية بل تراجعت وتعطلت تماماً، ويجب على الفلسطينيين تعزيز التواصل مع المجتمع الدولي والمنظمات غير الحكومية والنشطاء لدعم قضيتهم وضمان تحقيق حقوقهم، عوضا عن الانخراط في خلافات ضيقة، جلها حول السلطة والنفوذ والتكسب الشخصي والتبعية لقوى خارجية.
كما من المهم استمرار الضغط الدولي والإقليمي على إسرائيل، للتحرك نحو حل سلمي للصراع، بما في ذلك وقف الاستيطان ورفع الحصار عن قطاع غزة، والسماح بإقامة دولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967، وباستخدام هذه الإستراتيجيات يمكن تحقيق تقدم واختراق نوعي نحو حل دائم وعادل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وإنشاء دولة فلسطينية تكون قادرة على العيش بسلام واستقلالية في المنطقة.
وبالتزامن مع جهود إحياء السلام، ومفاوضات ما بعد الحرب في غزة، وفي ظل الوضع الإنساني الكارثي في القطاع، يتطلب من المجتمعين الدولي والإقليمي القيام بجهود متعددة المستويات لتخفيف الأزمة الإنسانية، وعلى رأسها وقف العنف وإعلان هدنة دائمة بين الأطراف المتصارعة، لوقف التصعيد العسكري وتهدئة الأوضاع في غزة، وتوفير المساعدات الإنسانية العاجلة للسكان في القطاع، بما في ذلك الغذاء والمياه والرعاية الصحية والإسكان، للتخفيف من آثار الحرب وتلبية الاحتياجات الأساسية. ومن الضروري أن ترفع إسرائيل الحصار الذي تفرضه على قطاع غزة منذ سنوات، والذي يعيق حركة السكان وتدفق المساعدات الإنسانية ويحد من اقتصاد القطاع والحياة اليومية.
من خلال اتخاذ هذه الخطوات وتكثيف الجهود الدولية والإقليمية، واستغلال المخاطر العصيبة لتحقيق مكتسبات نوعية، يمكن تحقيق تقدم نحو حل دائم للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وإنشاء دولة فلسطينية مستقلة تتمتع بالسيادة والاستقلالية في المستقبل، بحيث يمكن للمجتمع الدولي بعدها تقديم الدعم المالي والاقتصادي والاستثمار والتنمية لإعادة إعمار غزة، وتعزيز التنمية الاقتصادية في القطاع، مما يساهم في تعزيز فرص العيش والاستقرار للسكان، ولا أرى إمكانية حصول ذلك في ظل سلطة فلسطينية لم تحقق خطوة إيجابية منذ اتفاق أوسلو أو النفوذ الإيراني عبر وكيلها المحلي في غزة والمتمثل في حركة حماس.