ليبيا.. دولة غنية وشعب فقير
قرار رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، بتخفيض قيمة الدينار عبر فرض ضريبة على مشتريات العملات الأجنبية سيؤدي إلى تعقيد الموقف وزيادة الأسعار بنحو 30 في المئة، وقال إن هذا القرار غير مناسب وغير سليم.
اتسعت دائرة السجال في ليبيا حول أسباب الأزمة المالية والاقتصادية ومخلفاتها وأثرها على حياة الشعب وخاصة الطبقات المتوسطة والفقيرة، وهو ما أكد مقولة “الشعب الفقير في البلد الغني” التي سادت بالخصوص منذ تسعينات القرن الماضي في سياق تطلع المواطن الليبي إلى حياة أفضل، وباتت الآن تعبّر عن واقع ملموس بسبب ارتفاع معدل الفقر والتضخم وغلاء الأسعار مع تدني الرواتب وغياب الخدمات، وتحول الفساد إلى منظومة حكم في البلاد.
وتعتبر ليبيا من الدول الغنية، حيث تملك أكبر احتياطات النفط في أفريقيا والذي يمثل أكثر من 90 في المئة من إيراداتها، في مقابل عدد سكانها القليل نسبيا والذي بلغ نحو 7 ملايين نسمة سنة 2023.
وقد بلغ إجمالي الإنفاق المالي للدولة خلال العام الماضي 125.7 مليار دينار (26.1 مليار دولار)، ما يعني أنها لم تسجل أيّ عجز مالي في 2023، لكن لم يلاحظ أيّ أثر إيجابي على حياة السكان المحليين في أغلب مناطق ليبيا وخاصة الجنوب الغني بالثروات والمحروم من عوائدها.
هناك فوارق اجتماعية شاسعة بين الليبيين، وخاصة بين مدن الساحل الغربي والمناطق الداخلية والجنوب، ذلك أن المقربين من السلطة كانوا دائما أصحاب الحظ الوافر في الثروة منذ عهد الاحتلال العثماني وإلى حد الآن، حيث يدفع الفقراء وحدهم فواتير الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية والكوارث الطبيعية.
866 دينارا تكلفة زيادة السلة الغذائية في منطقة الجنوب الليبي
وقد تآكلت الطبقة الوسطى في ليبيا بشكل غير مسبوق، وهو ما كشف عن البون الشاسع بين طبقة أثرياء الأزمات والصراع وبين الفقراء ومنهم المنحدرون من الطبقة الوسطى.
وكان المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا غسان سلامة حذّر من الوضع الاقتصادي المتدهور في ليبيا، ومن مآل الطبقة الوسطى التي أكد أنها تعيش حالة إفقار، وهو ما سيترتب عليه تشوه الوضع الاقتصادي في البلاد، واضطرارها للسعي نحو المساعدة الخارجية، وأكد أن ليبيا مهددة بالإفلاس ما لم يتم كسر منظومة الطبقة المستفيدة من الوضع القائم، التي تعتمد على نهب موارد البلاد، واستهلاك عائدات النفط التي أصبحت بالكاد تكفي فقط لدفع رواتب موظفي الدولة الليبية.
ويعتبر ظهور مليونير كل يوم في ليبيا نتيجة واقعية لحالة الفساد المالي والإداري ولسيطرة ثقافة الغنيمة وتراجع أداء الدولة وانقسام المجتمع وسيطرة السلاح والميليشيات بالإضافة إلى التدخلات الخارجية وتشكيل شبكات عابرة للحدود تشتغل على تهريب البشر والوقود والسلع والسلاح، وظهور لوبيات مرتبطة بدول أخرى أكثر من ارتباطها ببلدها، وهو ما يتبين بالخصوص من خلال تهريب الذهب والنفط والعملات الأجنبية إلى عواصم محددة.
وفي فبراير الماضي، أكد تقرير للبنك الدولي ارتفاع معدلات الفقر في ليبيا وخاصة في مناطق الشرق والجنوب، مشيرا إلى أن منطقة تازربو الغنية بالواحات والمياه العذبة هي الأشد فقرا حيث بلغت نسبة الفقر فيها قرابة 80 في المئة تليها درنة وجالو بنسبة بلغت 70 في المئة.
وأوضح التقرير أن 7 في المئة من العائلات في البلديات التي شملتها الدراسة يعيش سكانها تحت خط الفقر و29 في المئة يعيشون بأقل من 3 دولارات في اليوم و13 في المئة لا يستطيعون توفير المتطلبات الأساسية اليومية.
وتابع التقرير أن عدد المحتاجين إلى مساعدة غذائية وصحية ومياه شرب في ليبيا ارتفع من 359 ألفا في بداية يناير 2023 إلى قرابة 900 ألف مع نهاية العام، لافتا إلى أن 46 في المئة من الأسر لا تستطيع تلبية احتياجاتها الصحية في ظل غياب شبكة الأمان الاجتماعي.
وأشار تقرير الدولي إلى أن 13 في المئة من الأسر تبيع ممتلكاتها لتغطية احتياجاتها المالية، و35 في المئة من العائلات عليها ديون مالية حيث كان السبب وراء الديون توفير نفقات الطعام.
كما اعترف وزير الاقتصاد في حكومة الوحدة الوطنية محمد الحويج أن نحو 40 في المئة من الليبيين تحت مستوى خط الفقر، وطلب من المصرف المركزي تثبيت سعر صرف الدينار أمام الدولار، متهما إياه بفتح الاعتمادات لسلع ليست ذات أولوية، مشيرا إلى أن التجار سيبيعون السلع بسعر التكلفة في شهر رمضان.
النزاع المسلح أنهك الاقتصاد الليبي حيث بلغت تقديرات نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في 2021 حوالي نصف قيمته للعام 2010 قبل بدء النزاع والذي بلغ آنذاك حوالي 15 ألف دولار.
وأكد الحويج، أن قرار رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، بتخفيض قيمة الدينار عبر فرض ضريبة على مشتريات العملات الأجنبية سيؤدي إلى تعقيد الموقف وزيادة الأسعار بنحو 30 في المئة، وقال إن هذا القرار غير مناسب وغير سليم، وقد يؤدي إلى تجويع المواطن الليبي وخلق أزمة اقتصادية، وزيادة نسبة خط الفقر.
وقرر رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، تخفيض قيمة الدينار عبر فرض ضريبة تبلغ 27 في المئة على مشتريات العملات الأجنبية.
وينتظر أن يزيد هذا الإجراء من الضغط على الفقراء والمحرومين من ثروات بلادهم والموظفين الحكوميين والمتقاعدين وغيرهم ممن يعانون من شظف الحياة وممن توارثوا وضعياتهم الصعبة منذ عقود.
وبحسب الأرقام الرسمية، يبلغ إجمالي أعداد عائلات ذوي الدخل المحدود أو المحرومة من الثروة نحو 224 ألف أسرة، وتحصل الأسرة البالغ عدد أفرادها ثلاثة على حافظة استثمارية بـ30 ألف دينار، أما الأسرة التي يبلغ عدد أفرادها خمسة فما فوق فتحصل على 50 ألف دينار. ويتقاضى أصحاب المحافظ 100 دينار عن كل فرد شهريا تعطى على حساب الأرباح، لكنها متوقفة في الوقت الحاضر.
وردت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان ارتفاع نسبة الفقر إلى عدة أسباب أهمها التضخم المرتفع وانهيار قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، وارتفاع أسعار السلع الأساسية والغذائية بالإضافة إلى ارتفاع قيمة الخدمات الصحية، وتدني مستوى الدخل للأُسر، وخاصة الفئات الأكثر ضعفا واحتياجا كشريحة المعاقين والأيتام والأرامل وذوي الدخل المحدود والنازحين والمهجرين، وكذلك قطاع واسع من الموظفين الذين يعانون من تدني مستوي الدخل مقارنة بباقي الفئات الأخرى من الموظفين في القطاع العام، وتصاعد مؤشرات البطالة والباحثين عن العمل.
وكان المجلس الرئاسي اعتمد في العام 2022 برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي حدد رسمًا على مبيعات النقد الأجنبي بنسبة 183 في المئة، وفقًا للنشرة اليومية لأسعار صرف الدينار الليبي مقابل العملات الأجنبية التي تصدر عن المصرف المركزي.
وكشفت النتائج الأولية لمسح الدخل والإنفاق الأسري للعام 2022 – 2023، الذي أجرته مصلحة الإحصاء والتعداد، بعد توقف إعداده ونشره منذ العام 2008، أن متوسط الإنفاق الشهري للأسرة الليبية بلغ 3094.5 دينار من بينها 1250.5 دينار على المواد الغذائية، بنسبة 40.4 في المئة، فيما بلغ متوسط إنفاق الفرد في الشهر 595 دينارا من بينها 240 دينارًا للمواد الغذائية، وفق المسح.
26.1 مليار دولار قيمة إجمالي الإنفاق المالي للدولة خلال العام الماضي
وسجل متوسط الدخل الشهري للأسرة الليبية 3383 دينارا شهريا، منها 1885.4 دينار كأجور ومرتبات تشكل 55.6 في المئة من إجمالي دخل الأسرة، كما انهار دخل المواطن ليبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي في 2022 نصف قيمته قبل عام 2011.
وأشار برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في تقرير، إلى ارتفاع أسعار غالبية السلع الأساسية في ليبيا، مع تباين الأسعار بين مدن شرق البلاد وغربها وجنوبها، لافتا إلى أن المنطقة الجنوبية شهدت الارتفاع الأكبر في الأسعار خلال شهري يناير وفبراير.
وبيّن التقرير أن الأداء الضعيف للدينار الليبي أمام الدولار في السوق الموازية يؤثر على أسعار السلع والخدمات المتوافرة للسكان، وسيؤدي إلى تآكل القوة الشرائية، خصوصا لأصحاب الدخول المنخفضة، موضحا أن أسعار سلعة من السلع الأساسية قد ارتفعت بنحو 3 في المئة في فبراير الماضي إلى 792 دينارا مقارنة بشهر يناير. ومن بين البضائع الغذائية التي ارتفعت تكلفتها بين شهري يناير وفبراير الماضيين البيض الذي زاد 6 في المئة، والفول 9 في المئة، والكسكس بنسبة 4 في المئة، والطماطم بنسبة 17 في المئة.
وكشف التقرير أن الزيادة الأكبر في تكلفة هذه السلة الغذائية نفسها بلغت تكلفتها 866 دينارا في منطقة الجنوب الليبي، حيث ارتفعت بنسبة 9 في المئة مقارنة بمتوسط سعر السلة في الشرق والغرب، تلتها المنطقة الشرقية، حيث تصل تكلفة سلة الغذاء إلى 804 دنانير، كما ارتفعت تكلفة سلة السلع الأساسية الكاملة، وتشمل مواد غذائية وغير غذائية، بنسبة 6 في المئة إلى 913.3 دينار في فبراير الماضي مقارنة بشهر يناير الماضي. وتتضمن سلة السلع الأساسية الكاملة منتجات مثل وقود الطهي والصابون المنزلي وغيرها.
وبحسب البنك الدولي فإنّ النزاع المسلح أنهك الاقتصاد الليبي حيث بلغت تقديرات نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في 2021 حوالي نصف قيمته للعام 2010 قبل بدء النزاع والذي بلغ آنذاك حوالي 15 ألف دولار.