بـ”التاريخية والاستثنائيّة”، وُصِفت زيارة مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في “حزب الله” وفيق صفا إلى الإمارات، وهي الأولى من نوعها منذ سنوات طويلة، شهدت فيها العلاقة بين الحزب ودول الخليج، والإمارات من ضمنها، تدهورًا غير مسبوق، وصل إلى حدّ تصنيف الحزب من قبل بعضها “جماعة إرهابية”، فضلاً عن كونه انعكس حتى على مستوى منح التأشيرات للبنانيين، ولا سيما من يشتبه بـ”قربه” من الحزب.
بهذا المعنى، لا يمكن النظر إلى زيارة صفا إلى الإمارات بوصفها أمرًا عاديًا أو عابرًا، وذلك بمُعزَل عن نتائجها المباشرة ربطًا بالملفّ الأساسيّ الذي شكّل “إطارها”، أيّ ملفّ الموقوفين اللبنانيين في الإمارات، وهي نتائج يُعتقَد أنّها لن تتأخّر في الظهور، وستكون إيجابيّة، بما يتيح “إقفال” الملفّ، الذي شغل الكثير من الوسطاء على مدى الأعوام القليلة الماضية، بصورة نهائية، وبما يمهّد لفتح “صفحة جديدة” بأتمّ معنى الكلمة، وعلى أكثر من مستوى.
لكن بالتوازي مع هذه “الصفحة الجديدة” التي تُفتح مع زيارة صفا إلى الإمارات، وبالتالي انفتاح “حزب الله” المستجدّ عليها، ثمّة العديد من علامات الاستفهام التي تُطرَح في محاولة لفكّ “لغز” الزيارة، ولا سيّما لجهة توقيتها، فما هي العوامل التي أسهمت في هذه “الانفراجة” على خطّ العلاقة بين “حزب الله” والإمارات، إن جاز التعبير؟ وهل تمهّد لخطوات موازية مع سائر دول الخليج؟ وهل من “ترجمة عملية” لما حصل على مستوى الاستحقاقات السياسية؟
ملفّ الموقوفين في الصدارة
على مدى اليومين الماضيين، حاول الكثيرون، ولا سيما المقرّبون من “حزب الله”، أو من اعتادوا التعبير عن وجهة نظره، “حصر” زيارة مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب إلى الإمارات بملف الموقوفين اللبنانيين في الإمارات فقط، وبالتالي صبغها ببُعد “أمني محض”، بعيدًا عن أيّ تفسيرات أو استنتاجات أو حتى تأويلات في السياسة، قد لا تكون دقيقة أو واقعية، أو بالحدّ الأدنى، قد تكون سابقة لأوانها، وفق ما يقول العارفون.
بهذا المعنى، يقول أصحاب هذا الرأي إنّ زيارة صفا إلى الإمارات ليست “معزولة”، وإنما تأتي في سياق تواصل حاصل بين الجانبين منذ العام 2021، ولو بشكل غير مباشر، وبالتالي فهي جاءت لاستكمال هذا التواصل المرتبط بملف الموقوفين الذي مرّ بعدّة مراحل، وتناوب عليه عدّة وسطاء، كان من بينهم المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وقد أفرز بالفعل إفراجًا “جزئيًا” عن عدد من الموقوفين في محطّتين سابقتين.
لكن، حتى إذا ما تمّ “حصر” الزيارة في ملفّ الموقوفين اللبنانيين في الإمارات، وهو الذي لا يخفى على أحد أنّه تصدّر “أجندتها”، إلا أنّ ذلك أيضًا طرح العديد من علامات الاستفهام، إذ لم يسبق أن تولى “حزب الله” التفاوض المباشر في مثل هذه الملفات، بل في الملف نفسه، الذي كان يتمّ عبر وسطاء في السابق، وإن كان هناك من يربط الأمر بـ”ضمانات” تلقاها من الرئيس السوري بشار الأسد، الذي شهدت علاقته مع الإمارات تحسّنًا ملحوظًا.
هل من “ترجمة”؟
في هذا الإطار، ثمّة من يضع انفتاح “حزب الله” على الإمارات في سياق الحراك الإقليمي الجاري، ولا سيما أنّه يأتي بعد ما يمكن اعتباره “تطبيعًا في العلاقات” بين الإمارات من جهة، وسوريا وإيران من جهة أخرى، كان من الطبيعي أن يفضي إلى خطوة من هذا النوع، ولو أنّ المقرّبين من “حزب الله” يرفضون الحديث عن أي “تطبيع” من هذا النوع، أقلّه قبل الوصول إلى خطوات عمليّة وملموسة في ملف الموقوفين.
وإذا كان الجميع يتّفق على أنّ الزيارة بمعزل عن نتائجها على مستوى ملف الموقوفين تشكّل “نقطة تحوّل” و”صفحة جديدة” في العلاقات، ثمّة من يربطها بحراك أكبر وأعمق على مستوى الإقليم، في ضوء المفاوضات الجارية لتهدئة تضع حدًا للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وجنوب لبنان، وتفتح الباب أمام ترتيبات ما بات يصطلح على تسميته بـ”اليوم التالي”، ولو أنّ التسريبات تؤكد أنّ هذه الخطوة بدأ التحضير لها منذ ما قبل السابع من تشرين الأول الماضي.
لكن، رغم كلّ هذه الأجواء، يستبعد العارفون أيّ “ترجمة عملية” سريعة للانفتاح المستجدّ على مستوى علاقات “حزب الله” مع دول الخليج بصورة عامة، أو على مستوى الاستحقاقات الآنية، بغضّ النظر عن بعض التسريبات التي أشارت إلى أنّ الاستحقاق الرئاسي حضر على خط الزيارة، ليس فقط من باب الحثّ على انتخاب رئيس، ولكن حتى من باب التداول ببعض الأسماء، لمرشحين يمكن أن يشكّلوا عنوان “الخيار الثالث” الذي يمكن أن يحصل التقاطع حوله.
بمعزل عن كلّ هذه التفاصيل، يبقى الأكيد وفق ما يقوله العارفون أنّ زيارة وفيق صفا إلى الإمارات لا يمكن أن تكون مجرّد خبر عادي يمرّ مرور الكرام في زحمة الأحداث والتطورات. ولعلّ “تعمّد” الإعلان عن الزيارة التي كان يمكن أن تبقى “في الكواليس” كما الكثير من الاتصالات التي سبقتها، يشكّل خير دليل على أنّ “صفحة جديدة” فُتِحت، ولو أنّ “مفاعيلها” تبقى مؤجّلة، لكن إلى أمدٍ قد لا يكون بعيدًا!