تصر حركة حماس على اتخاذ مواقف مستحيلة إزاء مفاوضات صفقة التبادل. إذ تحمل الحركة ورقة المختطفين فوق طاقتها عندما تحيطها بإطار سياسي غير ممكن. بعبارة أخرى، تفشل حماس في ترجمة ورقة المختطفين إلى أهداف سياسية واستراتيجية. فمن دون تعديل معادلة القوة فإنه من غير الممكن للحركة بأن تحقق أهدافها الاستراتيجية. وبالنظر إلى إمكانية تعديل معادلة القوة، فإنه لا يبدو بأن هناك إمكانيةً لتعديل ميزان القوى ليعمل وفقًا لرؤية حماس السياسية. في المقابل يقوم الموقف الإسرائيلي على التعامل الإنساني لا الاستراتيجي من مفاوضات الصفقة، وبوصفها ملفًا إنسانيًا لا استراتيجيًا، وأن إسرائيل قادرة على فرض هذه المعادلة ولكن سيكون الثمن هو التضحية بعدد من المخطوفين.
من ناحية واقعية، كان على حماس أن تقبل بصفقة تبادل مقابل أسرى فلسطينيين وتدفق المساعدات الإنسانية، ومن جهة أخرى بأن تواصل القتال لتحقيق أهدافها السياسية. بيد أن حماس لم تقدم على هذا الخيار، وما تزال تتمسك بمواقفها الرامية إلى استخدام ورقة المختطفين لأجل استعادة المعادلة السياسية السابقة على هجوم السابع من أكتوبر. غير أن الحركة تعلم بأن قوتها العسكرية عاجزة عن تأمين القدر الكافي من القوة لتوفير أوراق دبلوماسية وبالتالي ترجمة قوتها العسكرية إلى أهداف سياسية. وهي تخفي هذا العجز بمجموعة من المناورات القائمة على الأكاذيب والشعارات والبلاغة السياسية.
وبناء عليه، يبدو أن إسرائيل ستلجأ إلى تخليص ما يمكن تخليصه من المختطفين مقابل أثمان إنسانية، وستحتفظ حماس بالباقي أملًا في انتزاع ثمن سياسي، الأمر الذي سوف تصر إسرائيل على رفضه. لقد بلغت الأمور إلى مرحلة الذروة تقريبًا، وهذا ما يفسر الزخم الأمريكي الأخير الرامي إلى تخليص حملة الجنسية الأمريكية.
على ما يبدو أن الأمريكان لديهم تقدير موقف بأن المفاوضات ستنتهي عند مرحلة ما لأن إسرائيل لن تدفع أي ثمن سياسي لقاء تخليص المختطفين من أيدي حماس التي تتمسك بتحقيق أهدافها السياسية من خلال هذه الورقة الوحيدة التي تمتلكها الحركة. وهذا يعني عودة إسرائيل إلى القتال في غزة بحجة بقاء المختطفين في أيدي حماس التي ترفض التنازل عنهم لقاء ثمن إنساني. وهذا يعني أن هناك جولة قتال قادمة وحصار مشدد على سكان القطاع.
يعني أن إسرائيل سوف تلجأ إلى التوسيع والتكثيف، توسيع القتال وتكثيفه يعني المزيد من القتل والدمار حتى تقتنع حماس بالعجز المتبادل بين السياسي والعسكري، أي عجز القوة العسكرية لحماس عن مد أو رفد المستوى السياسي بالقدر الكافي من أوراق الضغط الدبلوماسية لإجبار الخصم على تلبية مطالب حماس السياسية، وعجز المستوى السياسي عن ترجمة المعركة إلى انجاز سياسي مقبول. وعليه ثمة تناقض بين الاستراتيجية السياسية- العسكرية لحماس يمثل السبب في تشبثها بورقة المختطفين، والتي تفشل في ترجمتها إلى نجاح سياسي. ربما تنجح هذه الجولة من المفاوضات، لكن يبقى الوضع على ما هو عليه، أي بقاء حالة الاستعصاء، وبالتالي يبقى احتمال بأنه ليس هناك إمكانية لإسرائيل غير التضحية ببعض المختطفين وبقاء عدد منهم في أيدي حماس لتبقى الذريعة قائمة لمواصلة القتال. ليس هناك أي أفق مطلقًا لحماس وعدم اعترافها بذلك يكلف الناس تكاليف باهظة، الاحتمالات أمام إسرائيل مفتوحة والخيارات واسعة، وهي تستفيد من عناد حماس حتى النهاية. نزع حماس من غزة ونزع غزة من حماس، هي أفق المعادلة الجديدة.