يظل سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، شخصية مثيرة للجدل في المشهد السياسي الليبي. منذ الإفراج عنه عام 2017، عاد اسمه ليُطرح مجددًا كمرشح محتمل لرئاسة ليبيا، وسط انقسامات داخلية وتدخلات خارجية متعددة. يُنظر إليه من قبل أنصاره كزعيم قادر على توحيد البلاد وإعادة الاستقرار، بينما يعتبره خصومه رمزًا للنظام السابق الذي ثار عليه الشعب في 2011.
رغم العداء الذي يكنه له بعض الفاعلين السياسيين، يمتلك سيف الإسلام قاعدة شعبية بين القبائل الليبية، وخاصة في المناطق التي لا تزال تحتفظ بولائها لعائلة القذافي. كما أنه قد يحظى بدعم فئات من الشعب التي سئمت من الصراعات المستمرة وترى في عودته فرصة لاستعادة الأمن والاستقرار.
لكن العقبات التي تواجهه لا تقتصر فقط على التحديات القانونية والسياسية، بل تمتد أيضًا إلى قدرته على إقناع الشارع الليبي بأنه قادر على تقديم رؤية جديدة تتجاوز إرث والده. فنجاحه السياسي يتوقف على تقديم برنامج سياسي واقتصادي واضح يعالج مشكلات الفساد والفوضى الأمنية والانهيار الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد.
سيف الإسلام والقوى الخارجية
المواقف الدولية من سيف الإسلام متباينة. بعض الدول، مثل روسيا، لم تُخفِ رغبتها في عودته إلى المشهد السياسي، معتبرة أنه يمكن أن يكون عامل استقرار في البلاد. بينما تعارضه الولايات المتحدة وبريطانيا، نظرًا لارتباطه بالنظام السابق، فضلاً عن القضايا الجنائية التي تلاحقه.
الدول الإقليمية تلعب أيضًا دورًا مهمًا في تحديد مستقبله السياسي، حيث يُعتقد أن بعض الدول العربية قد تدعم عودته سرًا إذا تمكن من ضمان استقرار البلاد وكبح نفوذ الجماعات المتطرفة. كما أن تركيا وقطر، اللتين دعمتا جماعات معينة خلال الحرب الأهلية، قد تكونان أكثر تحفظًا بشأن صعوده إلى السلطة.
الاتحاد الأوروبي يتعامل بحذر مع احتمال عودة سيف الإسلام، حيث أن استراتيجيته تتركز على دعم حكومة مستقرة يمكنها السيطرة على الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب. إذا تمكن سيف الإسلام من تقديم نفسه كشريك موثوق في هذا المجال، فقد يجد قبولًا أوروبيًا تدريجيًا.
إسقاط ما حدث في سوريا على المشهد الليبي
التجربة السورية تقدم نموذجًا يمكن استقراؤه لفهم الموقف الغربي المحتمل من ليبيا. لقد رحبت القوى الغربية بوصول أحمد الشرع إلى السلطة في سوريا رغم خلفيته المثيرة للجدل وارتباطه بجماعات مسلحة، وهو ما يشير إلى أن الغرب أصبح أكثر انفتاحًا على التسويات السياسية في الشرق الأوسط، حتى وإن تضمنت شخصيات ذات ماضٍ إشكالي.
سيف الإسلام القذافي لا يشبه أحمد الشرع في سيرته الذاتية، لكنه قد يستفيد من التوجه الجديد للغرب نحو البراغماتية السياسية، خاصة إذا تمكن من تقديم نفسه كخيار قادر على تحقيق الاستقرار وكبح الإرهاب والهجرة غير الشرعية. فالقوى الغربية لا تبحث عن زعماء مثاليين، بل عن شركاء يمكنهم تحقيق مصالحها في المنطقة، وسيف الإسلام قد يطرح نفسه كأحد هؤلاء الشركاء.
إذا استمرت القوى الغربية في نهجها البراغماتي، فقد تكون أكثر استعدادًا للتعامل مع سيف الإسلام، خاصة إذا قدم ضمانات تتعلق بالالتزام بالمسارات الديمقراطية، ومحاربة التطرف، وضمان تدفق النفط بشكل مستقر. ومع ذلك، فإن مدى قبول القوى الغربية له سيتوقف على الديناميكيات السياسية الداخلية في ليبيا، ومدى قدرته على خلق توافق داخلي يمنحه شرعية حقيقية.
ورقة الإرهاب و الهجرة الغير شرعية
يُعد ملف الإرهاب أحد أكبر القضايا التي تؤرق المجتمع الدولي فيما يتعلق بليبيا، حيث أصبحت البلاد مرتعًا للجماعات الإرهابية بعد سقوط النظام السابق. تنظيم داعش وتنظيم القاعدة والجماعات المسلحة الأخرى استغلوا حالة الفوضى الأمنية وضعف السلطة المركزية لبسط نفوذهم في بعض المناطق.
سيف الإسلام القذافي يمكنه الترويج لنفسه كبديل قوي لمواجهة هذه الجماعات، مستغلًا خلفيته المرتبطة بالنظام السابق، والذي كان له سجل قوي في محاربة الإرهاب قبل عام 2011. يمكنه تقديم نفسه كقائد قادر على إعادة بناء المؤسسات الأمنية، وتوحيد الجيش الليبي تحت قيادة مركزية قوية، وتنفيذ عمليات عسكرية مدعومة دوليًا للقضاء على العناصر الإرهابية.
إضافة إلى ذلك، بإمكانه الاستفادة من تحالفاته القبلية، حيث أن بعض القبائل في جنوب ووسط ليبيا تمتلك نفوذًا كبيرًا في المناطق التي تنشط فيها الجماعات الإرهابية. من خلال إقامة تحالفات مع هذه القبائل، يمكنه ضمان تعاونها في محاربة الإرهاب، مما سيعزز من موقفه أمام القوى الدولية الباحثة عن شريك موثوق في هذا الملف.
علاوة على ذلك، قد يستخدم سيف الإسلام خطاب مكافحة الإرهاب لإقناع الدول الغربية بأنه البديل الأفضل مقارنة بالميليشيات والجماعات المسلحة الحالية، والتي يُعتقد أن بعضها على صلة بالإرهاب. فتبني استراتيجية حازمة ضد هذه الجماعات يمكن أن يمنحه دعمًا دوليًا واسعًا، خاصة من الدول التي تخشى تحول ليبيا إلى قاعدة انطلاق للهجمات الإرهابية.
أيضا تُعد ليبيا نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين غير الشرعيين المتجهين إلى أوروبا، حيث يتم تهريب الآلاف سنويًا عبر سواحلها إلى إيطاليا ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى. وقد فشلت الحكومات الليبية المتعاقبة في الحد من هذه الظاهرة، ما جعلها مصدر قلق بالغ للدول الأوروبية.
سيف الإسلام القذافي يمكنه استغلال هذا الملف عبر تقديم نفسه كزعيم قادر على السيطرة على تدفقات المهاجرين، مستفيدًا من نفوذه القبلي وخبرته السياسية. بإمكانه اقتراح إنشاء منظومة متكاملة لمراقبة الحدود الليبية، تشمل تعزيز قوات حرس السواحل، وإقامة مراكز احتجاز منظمة، وفرض قيود صارمة على عمليات تهريب البشر.
علاوة على ذلك، يمكنه التفاوض مع الاتحاد الأوروبي للحصول على دعم مالي وتقني في مقابل تقليص أعداد المهاجرين المغادرين من ليبيا. هذه الاستراتيجية سبق وأن استخدمها والده معمر القذافي عندما وقّع اتفاقيات مع إيطاليا والاتحاد الأوروبي للحد من الهجرة غير الشرعية مقابل تقديم دعم مالي لنظامه.
كما يمكن لسيف الإسلام استغلال ضعف الحكومات الليبية الحالية في معالجة هذا الملف، وإظهار نفسه كبديل قادر على فرض سياسات أكثر صرامة وفعالية. من خلال ذلك، يمكنه كسب تأييد الدول الأوروبية، خاصة إيطاليا وفرنسا، اللتين تواجهان تحديات كبرى بسبب تدفق المهاجرين من ليبيا.
التحديات الداخلية والفرص السياسية
بجانب العقبات القانونية، فإن سيف الإسلام يواجه تحديات داخلية متعددة، من بينها:
- عدم التوافق بين القوى السياسية الليبية: فالمشهد السياسي الليبي يعاني من انقسامات حادة بين الشرق والغرب، وبين الجماعات المسلحة والقبائل المختلفة.
- تأثير الميليشيات المسلحة: حيث تسيطر مجموعات مسلحة على مناطق واسعة، وقد يكون من الصعب فرض سلطة مركزية قوية دون اتفاقات واسعة النطاق.
- الاقتصاد المنهار: يعاني الاقتصاد الليبي من تداعيات سنوات الحرب، ويحتاج إلى خطة إنقاذ حقيقية لجذب الاستثمارات وإعادة بناء مؤسسات الدولة.
لكن في المقابل، هناك فرص قد يستغلها سيف الإسلام لصالحه:
- تنامي الرغبة الشعبية في الاستقرار: فقد بات الليبيون يبحثون عن قيادة قوية قادرة على إنهاء حالة الفوضى المستمرة منذ سقوط نظام القذافي.
- قدرة سيف الإسلام على تشكيل تحالفات سياسية جديدة: فهو قد يجمع بين تيارات سياسية مختلفة، بما في ذلك الفاعلون في النظام السابق، وبعض القبائل التي ترغب في دور أكبر في المشهد السياسي.
- استثمار ورقة السيادة الوطنية: يمكنه أن يروج لنفسه كخيار وطني بعيد عن التدخلات الخارجية، مما قد يكسبه دعمًا واسعًا في أوساط الليبيين الرافضين للنفوذ الأجنبي.
رأي الشارع الليبي
الشارع الليبي منقسم حول سيف الإسلام القذافي. البعض يراه رمزًا للاستقرار المفقود منذ 2011، ويعتقد أن بإمكانه إعادة الأمن وتحقيق المصالحة الوطنية. بينما يرى آخرون أنه لا يمكن فصل سيف الإسلام عن إرث والده، وأن عودته قد تؤدي إلى مزيد من الانقسام والصراعات.
هناك أيضًا فئة من الشباب الليبي التي نشأت بعد الثورة، وترى أن ليبيا بحاجة إلى قيادة جديدة، غير مرتبطة بالنظام السابق أو بالحكومات الحالية. هذه الفئة تبحث عن حلول جديدة بعيدًا عن الشخصيات التقليدية، مما يشكل تحديًا كبيرًا لسيف الإسلام في حال قرر الترشح.
عودة سيف الإسلام القذافي إلى المشهد السياسي الليبي ليست مستحيلة، لكنها محفوفة بالتحديات. إذا تمكن من كسب دعم القبائل، وعقد تحالفات سياسية قوية، وإقناع القوى الدولية بقدرته على تحقيق الاستقرار، فقد يكون له دور مستقبلي في ليبيا. ومع ذلك، فإن العقبات القانونية والدعم الشعبي المتفاوت تبقى عوامل رئيسية ستحدد مصيره السياسي. وفي النهاية، تبقى ليبيا في حاجة إلى قيادة قادرة على تحقيق الاستقرار، بغض النظر عن هوية الشخص الذي سيقود المرحلة القادمة.