في إعلان تاريخي، أعرب حزب العمال الكردستاني عن استعداده لوقف إطلاق النار بل والمضي نحو نزع سلاحه بالكامل، شريطة إطلاق سراح زعيمه عبد الله أوجلان، المسجون في جزيرة إمرالي منذ 26 عامًا. يُشكّل هذا الإعلان منعطفًا حاسمًا في الصراع الممتد لأربعة عقود بين تركيا والمتمردين الأكراد، والذي أودى بحياة ما لا يقل عن 40 ألف شخص. ومع ذلك، فإن التعامل مع بيان الحزب ودعوة أوجلان لحل جناحه المسلح يتطلب قدرًا من الحذر، نظرًا لتعقيدات هذا النزاع العميق.
صراع معقد وجذور متشابكة
يُعدّ حزب العمال الكردستاني منظمة مصنفة إرهابية من قِبَل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. تاريخيًا، انقسم الحزب بين تيارين: أحدهما يدعو إلى استقلال كردستان الكبرى، التي تشمل أراضي في سوريا والعراق وإيران، والآخر يتبنى نهجًا أكثر واقعية، يقبل العيش تحت العلم التركي شرط حصول الأكراد على حقوقهم السياسية. وعلى الرغم من صعوبة قبول هذا الطرح من قبل الحكومات التركية المتعاقبة، فإن الأمر يزداد تعقيدًا في ظل النظام القومي الذي يقوده الرئيس رجب طيب أردوغان.
القمع التركي وتصاعد التوترات
لم يقتصر القمع التركي على المواجهة العسكرية، بل امتد ليشمل تجريم اللغة والثقافة الكردية، وسجن السياسيين الأكراد، وإغلاق المنافذ الإعلامية، وتقييد الحريات الأساسية. وفي السابق، أُبرم اتفاق لوقف إطلاق النار كان من المفترض أن يفضي إلى نزع سلاح حزب العمال الكردستاني، إلا أن الاتفاق انهار، وأدى إلى عمليات عسكرية تركية زادت من تعقيد الصراع بدلاً من حله.
التطورات الإقليمية وتأثيرها على الصراع
لعبت التطورات الإقليمية دورًا رئيسيًا في تأجيج العداء بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني. فقد أدى سقوط نظام صدام حسين في العراق عام 2003 إلى تعزيز النفوذ الكردي في المنطقة، مع إنشاء إقليم كردي يتمتع باستقلال شبه كامل في شمال البلاد. كما أن انهيار حكم بشار الأسد في سوريا منح الأكراد هناك فرصة لتعزيز قوتهم العسكرية والسياسية، وهو ما اعتبرته تركيا تهديدًا مباشرًا، نظرًا لعلاقة هذه الفصائل بحزب العمال الكردستاني.
دفعت هذه المستجدات أردوغان إلى التدخل عسكريًا في شمال سوريا لمنع قيام كيان كردي مستقل على حدود بلاده. وأسهم هذا التدخل في زيادة زعزعة الاستقرار الإقليمي، كما منح أنقرة ذريعة لتشديد قمعها ضد الأكراد داخل تركيا نفسها.
فرصة نادرة للسلام
رغم التعقيدات التاريخية والسياسية، فإن احتمال حل النزاع الكردي في تركيا يُمثل تطورًا إيجابيًا في منطقة تعاني من أزمات متلاحقة. ويظل السؤال الأهم: هل سيغتنم أردوغان هذه الفرصة النادرة لإنهاء أحد أطول الصراعات في المنطقة، أم أنه سيتجاهلها حفاظًا على حساباته السياسية الداخلية؟
عليه، يتوجب على الحكومة التركية التعامل مع هذا العرض بواقعية، وتقديم ضمانات حقيقية للأقلية الكردية، بدلاً من الاكتفاء بالنهج الأمني والعسكري الذي أثبت فشله في تحقيق استقرار دائم.