حذرت الجزائر السفير الفرنسي من أن المناورات العسكرية الفرنسية المغربية المقرر إجراؤها في سبتمبر المقبل، حسب الجزائر، ستعتبر “عملا استفزازيا” من شأنه أن “يؤجج الأزمة الحالية ” . وقالت وزارة الخارجية الجزائرية في بيان نشرته مساء الخميس إنها استدعت الدبلوماسي الفرنسي للتعبير عن قلقها إزاء “خطورة” هذا المشروع.
وبحسب الجزائر فإن هذه المناورات من المقرر أن تجري في منطقة الرشيدية “غير البعيدة عن الحدود الجزائرية ” . وتشهد العلاقات بين باريس والجزائر واحدة من أخطر الأزمات منذ استقلال الجزائر عام 1962. وتفاقم تدهورها منذ أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون في يوليو/تموز دعمه لخطة الحكم الذاتي تحت “السيادة المغربية” لمنطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها .
أدوات الجزائر المتاحة للرد على الاستفزاز الفرنسي
استدعاء الجزائر للسفير الفرنسي في إطار تحذير قوي يعكس إحدى أدواتها الدبلوماسية المتاحة للرد على التصرفات الفرنسية. الجزائر قد تسعى إلى تعزيز موقفها على الساحة الدولية من خلال تحريك مجموعة من الحلفاء التقليديين في إفريقيا والعالم العربي للضغط على فرنسا. هذه الدبلوماسية التصعيدية قد تتضمن تحركات سياسية في الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي لمطالبة فرنسا بمراجعة سياساتها.
الجزائر تعد واحدة من أكبر موردي الغاز إلى فرنسا، ويمكن أن يكون لديها قدرة على التأثير على هذه الإمدادات في حال تصاعد الأزمة. صحيح أن الجزائر تعتمد اقتصاديًا على صادرات الغاز والنفط، إلا أن تقليل إمدادات الطاقة قد يشكل ورقة ضغط هامة في هذا السياق. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تتخذ الجزائر خطوات لتقليص التعاون الاقتصادي في مجالات أخرى مثل التجارة والاستثمارات، مما قد يضر بالاقتصاد الفرنسي.
الى جانب ذلك تتمتع الجزائر بعلاقات قوية مع دول مثل روسيا والصين، والتي يمكن أن تدعم مواقفها السياسية في مواجهة فرنسا. الجزائر قد تسعى إلى تعزيز هذا التعاون الاستراتيجي، مع التركيز على تعزيز علاقاتها مع البلدان التي تتبنى مواقف مشابهة بشأن قضية الصحراء الغربية أو تلك التي تتقاسم معها مصالح في مجال الطاقة والأمن الإقليمي.
كما يمكن أن تستخدم الجزائر الإعلام بشكل مكثف للترويج لمواقفها وتوضيح مخاطر التصعيد العسكري في المنطقة. وسائل الإعلام الجزائرية قد تلعب دورًا في تحفيز الرأي العام المحلي والعربي ضد السياسات الفرنسية، مما قد يزيد من عزلة باريس دوليًا. كما يمكن أن تعمل الجزائر على تسليط الضوء على الانتهاكات التي قد تحدث بسبب هذه المناورات، مما قد يولد ضغطًا إضافيًا على الحكومة الفرنسية.
و رغم أن الجزائر لا ترغب في الوصول إلى صراع مفتوح مع فرنسا، فإنها قد تقوم بتعزيز قدراتها الدفاعية على الحدود الجنوبية الغربية، أو من خلال إجراء مناورات عسكرية خاصة بها. هذه المناورات يمكن أن تكون بمثابة تحذير قوي من أن الجزائر مستعدة لاستخدام قوتها العسكرية في حال اعتبرت أن مصالحها الوطنية في خطر. كما أن الجزائر قد تعزز من قدرتها العسكرية بالتعاون مع حلفائها في المنطقة.
ماكرون يحاول التهدئة
منذ استقلال الجزائر في عام 1962، كانت العلاقات بين البلدين غير مستقرة، ولكنها شهدت تحسّنًا وركودًا في فترات مختلفة. على الرغم من أن فرنسا تمثل شريكًا اقتصاديًا مهمًا للجزائر، إلا أن التاريخ الاستعماري المرير الذي جمع بين البلدين لا يزال يشكل عائقًا كبيرًا أمام تحقيق علاقات مستقرة. الحرب الاستعمارية التي استمرت لمدة 132 عامًا تركت جروحًا عميقة في الذاكرة الجمعية الجزائرية، وما زالت تسهم في توتر العلاقات حتى اليوم.
ومع تصاعد الأزمة الحالية بعد تصريحات ماكرون بشأن الصحراء الغربية، دخلت الجزائر في مواجهة دبلوماسية حادة مع باريس، حيث وصف المسؤولون الجزائريون هذه التصريحات بأنها “تدخل في الشؤون الداخلية” للجزائر والمساس بسيادة المنطقة. كما أن المناورات العسكرية الفرنسية المغربية التي ستكون على مقربة من الحدود الجزائرية تزيد من تعقيد هذه الأزمة وتثير القلق من جانب الجزائر.
تصاعدت التوترات بسبب سجن الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في الجزائر في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، ثم رفض الجزائر قبول عدد من مواطنيها المطرودين من فرنسا. وتفاقم الوضع بعد الهجوم المميت في مولهاوس، الذي كان المشتبه به الرئيسي فيه جزائري الجنسية.
في الأسبوع الماضي، حاول إيمانويل ماكرون تهدئة الأمور مع الجزائر بشأن قضايا الهجرة من خلال الدعوة إلى “إعادة الانخراط في العمل المتعمق” بشأن اتفاقيات الهجرة بين البلدين، وتنصل من حكومته في هذه العملية. في حين دعا فرانسوا بايرو وبرونو ريتيلو إلى مواجهة مع الجزائر، رفض إيمانويل ماكرون أي “قطيعة أحادية الجانب” . وللتذكير فإن اتفاقية 1968 تمنح الجزائريين وضعا خاصا فيما يتعلق بدخول الأراضي الفرنسية والإقامة عليه