تمر غزة اليوم بمرحلة مفصلية من تاريخها، حيث تتفاقم الأوضاع الإنسانية وتتزايد التهديدات الوجودية التي تحيط بالقضية الفلسطينية برمتها، فمنذ اندلاع حرب الإبادة، تتعرض غزة لأكبر كارثة إنسانية منذ عقود، حيث الدمار الشامل، والقتل الجماعي، والتهجير القسري، حتى باتت القضية الفلسطينية بأسرها أمام خطر التصفية.
وفي ظل هذه الظروف، يصبح من الضروري اتخاذ قرارات جريئة ومسؤولة، بعيدة عن الحسابات الحزبية الضيقة والمغامرات السياسية التي أثبتت فشلها، الأمر الذي يبرز أهمية تسليم ملف غزة إلى مصر، باعتبارها الحاضنة التاريخية للقضية الفلسطينية، والجهة الأكثر قدرة على تحقيق استقرار حقيقي يضمن وقف الكارثة الحالية.
بعد عام ونصف العام من الحرب باتت غزة منطقة منكوبة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وأصبح أهلها بين خيارين: الموت تحت القصف أو الموت جوعًا ومرضًا.
إلى جانب ذلك، تتزايد مخططات التهجير القسري للفلسطينيين، حيث يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى فرض واقع جديد يقوم على إفراغ غزة من سكانها، كما يحدث أيضًا في الضفة الغربية والقدس، هذه المخططات ليست مجرد تكهنات، بل تصريحات علنية من الرئيس الأمريكي ترامب ومسؤولين إسرائيليين، تتحدث صراحة عن ضرورة “ترحيل” الفلسطينيين إلى مصر والأردن أو أي مكان آخر، مما يهدد بتكرار نكبة 1948 بنسخة أكثر وحشية.
اقرأ أيضا.. هل يمكن فعلاً تفريغ غزة والضفة بقرار من ترامب؟
في المقابل الجميع يعرف حجم الدور التاريخي لمصر في دعم وخماية القضية الفلسطينية، ليس فقط بحكم الجوار الجغرافي، ولكن أيضًا انطلاقًا من مسؤوليتها القومية، فمنذ نكبة 1948، كانت مصر في مقدمة الدول التي احتضنت الفلسطينيين ودافعت عن حقوقهم، واستضافت المفاوضات لضمان حقوقهم المشروعة، واليوم مع تصاعد العدوان، تواصل مصر دورها الإنساني والسياسي، من خلال تقديم المساعدات، وفتح معبر رفح لاستقبال الجرحى والنازحين، والمساهمة في جهود التهدئة ووقف إطلاق النار.
لكن مع تعقد المشهد الفلسطيني، وغياب الرؤية الوطنية الموحدة، لا يمكن لمصر أن تظل مجرد وسيط أو طرف داعم فقط، بل يجب أن تتحمل دورًا أكبر في إدارة غزة، لضمان إنهاء الأزمة الإنسانية المتفاقمة، وحماية أهلها من التهجير والتصفية، فالوضع الحالي لا يحتمل مزيدًا من التجارب الفاشلة والمغامرات الحزبية التي أوقعت الجميع في الكارثة.
ففي ظل هذه الظروف، يصبح من الضروري اتخاذ قرار استراتيجي بتسليم ملف إدارة غزة إلى مصر، للأسباب التالية:
_ وقف الكارثة الإنسانية، من خلال ادخال المساعدات وإعادة الإعمار وعلاج المرضى.
_ منع التهجير القسري.
_ المساعدة في إعادة ترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني.
نحن أمام كارثة حقيقية تهدد الوجود الفلسطيني بأسره، وأمام مخططات أمريكية إسرائيلية واضحة لفرض واقع جديد يخدم أجندة التهجير وتصفية القضية، لذلك يصبح تسليم ملف غزة إلى مصر ضرورة وطنية وإنسانية، تضع حدًا لمعاناة السكان، وتضمن عدم تحول القطاع إلى رهينة للمجهول، فالقضية الفلسطينية أكبر من أي تنظيم أو فصيل، وحماية غزة اليوم تعني الحفاظ على ما تبقى من حلم الدولة الفلسطينية المستقلة.