تشير التوقعات إلى عدم إمكانية التوصل إلى اتفاق بين واشنطن وطهران، وذلك بسبب طبيعة الخلاف بينهما، والذي لا يقتصر على الجانب التقني بقدر ما يرتبط بالخلاف الأيديولوجي للجمهورية الإسلامية وواشنطن، بالإضافة إلى الخلاف السيكولوجي بينهما. فقيادة إيران تختلف بالمقاييس عن قيادة الولايات المتحدة الأميركية، لذلك تعلن طهران رفضها لأي إمكانية للتوصل إلى اتفاق مع أميركا، وهذا ما أكده خطاب السيد الخامنئي الأخير بأن المباحثات مع واشنطن تفتقر إلى الشرف والمصداقية من جانبها، لذلك لا نجد جدوى من هذه المباحثات، وما هي إلا محاولات لكسب الوقت وشحن الرأي العام ضد إيران وزيادة الضغط عليها للقبول بتخليها عن برنامجها النووي والصاروخي، الأمر الذي ترفضه طهران بصورة قطعية ولا تقبل أي تفاوض بهذا الشأن. إذا ما علمنا أن إيران باستطاعتها صنع قنبلة نووية، لكنها ملتزمة بقرارات منظمة الطاقة الذرية، ولا تريد أن تكون سببًا في توتر المنطقة وذريعة للتواجد الأجنبي فيها.
طهران، ومن خلال تجاربها الطويلة مع واشنطن، لا تثق بأي مباحثات معها، وتعتبرها مجرد مضيعة للوقت وسببًا في تأخر تطورها العسكري والتكنولوجي، وهذا ما يفسر رفض السيد الخامنئي لأي مفاوضات مع واشنطن وعدم تمكن إدارة بايدن من تطبيع العلاقات مع الجمهورية الإسلامية، لأن الأخيرة تنظر إلى الولايات المتحدة الأميركية على أنها دولة عنصرية إمبريالية تستخدم قوتها للسيطرة على مقدرات العالم وشعوبه وسرقة خيراته. لذلك، تسعى طهران إلى الانفتاح على العالم العربي والإسلامي ليكون ورقة ضغط على الرئيس الأميركي دونالد ترامب لعدم تشديد الإجراءات الاقتصادية ضد إيران، كما أنها تسعى إلى التحرك نحو المجتمع الأوروبي على أمل تحييد مواقفه ضد إيران وإقناعه بضرورة تغيير مواقفه المؤيدة لواشنطن. كما أن طهران جادة في ضرورة فتح قنوات الحوار مع المملكة العربية السعودية لما لها من تأييد واضح في السياسة الإقليمية للشرق الأوسط، ويمكنها أن تمارس دورًا إيجابيًا في تهدئة الصراع بين واشنطن وطهران.
اقرأ أيضا.. طوفان ترمب يطيح طوفان خامنئي
الجمهورية الإسلامية تسعى إلى أن تكون قوية في كل المحاور التي تتطلب الحوار، وأن تبقي الباب مفتوحًا مع الجميع مع التمسك بحقها في امتلاك الطاقة النووية السلمية، وهذا ما أعلنته أكثر من مرة. لذلك، سعى ترامب إلى الضغط على إيران من أجل إيقاف صادرات النفط التي تقوم بها إيران، والتي تهدف بالدرجة الأساس إلى إيقاف صادرات النفط الإيراني وإيصالها إلى “صفر برميل”، وكذلك فرضه عقوبات قاسية على الأسطول البحري الإيراني من ناقلات النفط، والهدف الأساسي من كل تلك العقوبات هو حملة الضغط القصوى لحرمان إيران من الوصول إلى الطاقة النووية وإلى صناعة الصواريخ الباليستية أو صنع الصواريخ العابرة للقارات.
إيران من جانبها تعتبر أن هذه العقوبات غير مجدية، وأن هذه العقوبات لا يمكن أن تجعل إيران ترضخ أو تتخلى عن طموحها في امتلاك الطاقة النووية، ولن تفعل ذلك مستقبلًا مهما زادت هذه الضغوط أو استُهدفت إيران من قبل الولايات المتحدة الأميركية أو الكيان الإسرائيلي. لذلك، سيلجأ ترامب إلى التهدئة مع إيران وتوسيع عقوباته عليها في محاولة لجرها نحو طاولة الحوار أو التلويح بضربة عسكرية تستهدف منشآتها النووية، والتي لن تكون سهلة، وستعرض المنطقة والعالم لحرب عالمية جديدة تغرق فيها واشنطن وتل أبيب.