حماس

مناورات الهدنة في غزة .. بين الواقع والمنطق

يدور في الأروقة الدبلوماسية الدولية الحديث عن مبادرات لوقف إطلاق النار، أو هدن مؤقتة ظاهرها انساني ولكن باطنها يكيد لأهل غزة وتخطيط لمزيد من التصعيد واستهداف العزل لتحقيق الاهداف المبيتة وعلى رأسها التهجير

في الوقت الذي تتعرض فيه غزة لكارثة مكتملة الاوجه ، حيث عشرات الالاف من الشهداء ، ومثلهم من الجرحى ، وأكثر من سبعين بالمئة من بنيتها التحتية ومنشآتها دمرت ، اما بشكل كامل او جزئي.

يدور في الأروقة الدبلوماسية الدولية الحديث عن مبادرات لوقف إطلاق النار، أو هدن مؤقتة ظاهرها انساني ولكن باطنها يكيد لأهل غزة وتخطيط لمزيد من التصعيد واستهداف العزل لتحقيق الاهداف المبيتة وعلى رأسها التهجير .

دولة الكيان وعلى لسان مسؤوليها ، وعلى راسهم رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، اعلن منذ بدء العدوان عن اهدافه المتمثلة بالقضاء على حكم حركة حماس للقطاع وتدمير بنيتها العسكرية واستعادة الاسرى الاسرائيليين المحتجزين لدى فصائل المقاومة ، ونتنياهو المأزوم معروف بتلونه ، وكعادته اتخذ من المناورة والمماطلة سبيلا لعدم انهاء العدوان ، محاولا تصدير ازمته الداخلية الى قطاع غزة والضفة الغربية مستخدما الثنائي المتطرف ( بن غفير وسموتريتش ) كعصا يلوح بها لكل من يحاول الالتفاف على اركان حكومته ، مدركا ان اي وقف فعلي لاطلاق النار واسكات اصوات مدافعه سينعكس عليه وجوديا وانتخابيا ويفكك حكومته ويقوده الى خلف القضبان ، لذلك تراه يناور، تارة بموافقة باهتة لهدنة مؤقتة ، لا تتجاوز الايام او بضع اسابيع في احسن الاحوال ، دون الحديث عن وقف كامل وانسحاب شامل من القطاع ، متماشيا مع الموقف الامريكي الداعم له ، وتارة يلوح باجتياح رفح لاتمام مهمته .
وفي الجانب الاخر ، مقاومة تقارع محتل يبطش بممارسات منافية لكافة القوانين والاعراف الانسانية والدولية والربانية ، فبادرت واجتهدت لكسر حصار مستمر منذ اكثر من 17 عاما ، بعملية طوفان الاقصى النوعية والتي قلبت الدنيا رأسا على عقب ، – من كل بد ستطفو نتائجها الى السطح اجلا ام عاجلا وسيتغير وجه الارض التي ستزهو بسطوع شمس فلسطينية وسيطال لهيبها كل ظالم ومتخاذل – طوفان الاقصى كشفت عورة هذا الاحتلال ، الذي رد بعدوان بربري وحشي طال الحجر والبشر دفعت غزة فيه ثمنا باهظا الى ان اصبحت بعد ستة شهور من العدوان تتلقف أطنانا من القنابل الامريكية المحرمة دوليا استخدامها ، فبات القطاع غير صالح للحياة او العيش فيه ، لكن غزة ما زالت صامدة وتوجه ضرباتها للمحتل ، وفي الوقت ذاته تفاوض لانهاء المعاناة ، تتمسك بمطالبها العادلة المتمثلة بوقف شامل لاطلاق النار وانسحاب كامل من القطاع وتبادل الاسرى الكل بالكل .
بين الموقفين فجوة كبيرة ، وهناك من يسعى الى توسيعها وآخرين يكدون لتضييقها ، وفي الوسط اكثر من ملوني فلسطيني غزي باتوا بلا ماوى يلتحفون السماء ويفترشون الارض وامعاء خاوية تتضور جوعا واجساد اكلتها الامراض والاوبئة وافترسها الجوع جراء تواصل الانهاك المبرمج دون ادنى رعاية طبية ، فقط يعيشون على ما يقدم لهم من فتات مساعدات مغمسة بالدم ، وهناك من يسارع ويلقي اللوم على المقاومة لتصلبها بموقفها وادعاؤء اهمالها لما يكابده المدنيين من معاناة تتزايد يوم بعد يوم .
في خضم ذلك كله ، يتبادر الى الاذهان جملة من التساؤلات : هل حقا ان هناك من يسعى لتحقيق وقف اطلاق نار بالقطاع حرصا على حياة المدنيين وتفويت الفرصة على دولة الكيان بعدم تحقيق اهدافها ؟ هل على المقاومة الموافقة على هدن مؤقتة ، ام تتمسك بمواقفها حتى لا تفقد ورقة الاسرى الاسرائيليين من يدها ، خاصة وان دمارا كبيرا غير معهود قد لحق بقطاع غزة واهله ، بمعنى هل تبقى هناك ما تخسره المقاومة ؟ هل اركان الحكومة الاسرائيلية جادة في تعاطيها والمبادرات المختلفة ، وتسعى بجدية لاستعادة اسراها ، ام انها تدفع الى مزيد من التصعيد دون ادنى اهمية لمصير اسراها ، خاصة ان هناك من قتل منهم تحت وطأة القصف الاسرائيلي ؟ هل دولة الكيان من النوع الذي يلتزم بعهوده ويؤتمن جانبه حال التوصل الى وقف جزئي لاطلاق النار على طريق الوقف الشامل والانسحاب الكامل ؟ واخيرا ، هل بداية الازمة الراهنة كانت مع عملية طوفان الاقصى وما اعقبها من عدوان غير مسبوق ، ام ان هناك تراكمات كان يجري ترحيلها من وقت لاخر دون الغوص بحلول خلاقة تعيد الحقوق الى اصحابها ؟ اليس من حق اهل غزة التحلل من الاوضاع الماساوية المحيطة بهم منذ اكثر من 17 عاما والعيش كباقي شعوب العالم ؟

تباينت الاراء باختلاف طرق التفكير والاتجاهات السياسية ، والمصالح الفئوية ، منها ما كان الى جانب رفع الظلم عن القطاع والتخفيف من حدة المعاناة التي يكابدها الغزيين ، والتي لم تبدأ منذ السابع من اكتوبر ، انما منذ اكثر من 17 عاما ، من حصار بري وبحري وجوي فرضته دولة الكيان للنيل منهم ومحوهم عن وجه الارض ، ولعل قول رئيس وزراء الاحتلال الراحل اسحق رابين الذي جرى اغتياله في تشرين ثاني 1995 ، ما زال حاضرا في اذهان كل فلسطيني ، حينما تمنى ان يصحو يوما ما من نومه ويرى غزة وكل من عليها قد ابتلعها البحر !! وكأن ليس من حق الغزيين العيش اسوة بشعوب العالم !! وقدرهم الاستسلام لانتهاكات لا تتوقف ، تطال ايضا كافة اوجه الحياة للفلسطينيين في القطاع والضفة الغربية والقدس المحتلة ، والخنوع لامعان دولة الكيان في ممارستها ، حيث توغل استيطاني غير مسبوق ، اعتداءات ممنهجة على المقدسات الاسلامية والمسيحية وعلى رأسها المسجد الاقصى المبارك ، التنكيل بالاسرى ، افلات قطعان المستوطنين على العزل ، الامعان في القتل عن سبق الاصرار والترصد ، التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية ، قرصنة امواله المشروعة ، التنكر للاتفاقيات الثنائية ومخالفة القوانين والتشريعات الدولية ، والقائمة تطول ، والمجتمع الدولي يغض الطرف عن الممارسات الاسرائيلية ، بل ويساهم في محاولات النيل من الشعب الفلسطيني واعتبار مقاومته لانتزاع حقوقه السليبة ارهابا ، ويتحايل بكلام معسول ومبادرات واهية يراد منها اطالة امد الاحتلال ومنح دولة الكيان مزيدا من الوقت لتنفيذ برامجها ومخططاتها وبسط سيطرتها الكاملة على التراب الفلسطيني ، وجعل الشعب الاصلي لهذه البلاد أقلية منبوذة على غرار هنود امريكا الحمر!.
ومن هنا فان تمسك المقاومة التي تقودها حركة حماس بمطالبها ، يأتي من ادراكها ان دولة الكيان لا يمكن الوثوق فيها ، وتاريخها وتاريخ من يعتلي سدة الحكم فيها حافل بالتنكر للاتفاقيات المبرمة ، والكيد للاخر لتنفيذ مخططاتها المبيتة ، وتدرك المقاومة ان دائرة الاستهداف الاسرائيلية المدعومة من المجتمع الدولي المتنفذ ليست قطاع غزة وحسب ، انما الدورآت على الضفة الغربية والقدس واجزاء من الوطن العربي ، واتضح ذلك من تصريحات مسؤولين امريكان في مقدمتهم الرئيس بايدن وبتواطىء اوروبي ممزوج بنكهة عربية من احفاد ( ابي رغال).
لذلك ليس من الجائز ومن غير المنطق ، وبعد كل هذا الدمار مطالبة المقاومة بتقديم تنازلات ، واعتقد ان قيادة المقاومة لن تتخلى عن مطالبها مهما كلف الثمن ، وتؤكد على سيرها على خطى السلف الثائر رموز حركات التحرر والكفاح والجهاد امثال عمر المختار وعبد القادر الحسيني وتشي جيفارا وهوشي منه واحمد ياسين وياسر عرفات ، واضعة نصب اعينها النصر او الشهادة ، حتى البدء الفوري الجدي بمعالجة الصراع من جذوره وفق قرارات عديدة اقرتها الشرعية الدولية ، من شأنها ان تنهي احتلال مستمر منذ نحو 76 عاما حتى يعيش الشعب الفلسطيني بكرامة ويعود المهجرين الى ديارهم .

أحمد صيام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى