إردوغان وجنوبي تركيا.. ماذا يريد من سوريا والعراق؟
الأوساط السياسية تشير إلى تهرب إردوغان من توجيه أي انتقاد إلى واشنطن في موضوع سوريا أو سياساتها في المنطقة، بما في ذلك دعمها الكيان الصهيوني
عندما استلم حزب العدالة والتنمية السلطة نهاية عام 2002، رفع أحمد داود أوغلو، وكان آنذاك مستشاراً لرئيس الوزراء عبد الله غول، شعار “صفر مشاكل مع الجيران”، وقصد بذلك في الدرجة الأولى سوريا والعراق وإيران، ثم اليونان.
بهذا الشعار قام رئيس الوزراء عبد الله غول بأولى زياراته الخارجية في الـ 5 من كانون الثاني/يناير 2003 لدمشق، وبعدها القاهرة، ثم الرياض وعمان والكويت، ثم إيران.
وكانت هذه الزيارة بداية الانفتاح التركي على دول المنطقة، التي زارها غول عدة مرات، بعد أن أصبح رئيساً للجمهورية، ثم إردوغان الذي أصبح رئيساً للوزراء في 14 آذار/مارس 2003، ثم رئيساً للجمهورية في آب/أغسطس 2014، فزار هذه الدول هو أيضاً أكثر من مرة.
كما قام داود أوغلو أيضاً بمثل هذه الزيارات بعد أن أصبح وزيراً للخارجية عام 2011، ثم رئيساً للوزراء صيف 2014. ومن دون أن يمنع ذلك داود أوغلو من تحريض إردوغان وغول وتشجيعهما على أداء دور رئيس في أحداث ما يسمى “الربيع العربي”، وخصوصاً في الجارة سوريا، من منطلقات دينية وطائفية وتاريخية واستراتيجية.
ودفع ذلك الرئيس إردوغان إلى الحديث عن خريطة الميثاق الوطني التركي لعام 1920، وكانت ترى في شمالي سوريا والعراق جزءاً من تركيا الحالية.
واستعجل إردوغان وداود أوغلو في إقامة العلاقات الواسعة بحركات الإسلام السياسي الإخواني في مصر وتونس وسوريا والعراق وفلسطين، بعد أن بايعت قيادات هذه الحركات الرئيس إردوغان زعيماً إسلامياً أعلن نفسه امتداداً للخلافة والسلطنة العثمانيتين.
وجعل ذلك تركيا طرفاً أساسياً في مجمل تطورات هذه الدول والمنطقة عموماً، بحيث استفاد إردوغان من أوراقها واستخدمها في مجمل مساوماته الإقليمية والدولية. وما زال إردوغان يفعل ذلك الآن، كما هي الحال في ليبيا وسوريا والعراق والصومال ودول أخرى في البلقان والقوقاز وآسيا الوسطى، الحديقة الخلفية لروسيا، حيث التنسيق المباشر وغير المباشر بين “تل ابيب” وأنقرة في أذربيجان وكازاخستان، التي يريد لها الغرب الإمبريالي أن تكون، خلال الأعوام القليلة المقبلة، أوكرانيا ثانية.
وقد يكون ذلك أحد المواضيع التي بحثها المسؤولون الأميركيون مع وزير الخارجية هاكان فيدان ورئيس الاستخبارات إبراهيم كالين، وعادا من واشنطن إلى أنقرة، وتوجها بعدها (الأربعاء) إلى بغداد، ورافقهما وزير الدفاع يشار غولار.
وهذه هي الزيارة الثانية للثلاثي المذكور خلال شهرين، بحيث زار الثلاثة إربيل أيضاً وبحثوا مع المسؤولين الكرد فيها وفي بغداد في عدد من المواضيع المشتركة، وفي مقدمتها العسكرية والأمنية، بحسب أحاديث الإعلام التركي الذي يتوقع توغلاً عسكرياً تركياً في الشمال العراقي قبيل الانتخابات البلدية نهاية الشهر الجاري من أجل شحن المشاعر الوطنية والقومية لدى أنصار إردوغان، الذي يلجأ إلى هذا الاسلوب قبل كل انتخابات.
فعلى الرغم من أحاديث الإعلام عن خطط أنقرة للتخلص نهائياً من مسلحي حزب العمال الكردستاني التركي، شمالي العراق، فإن هذا الإعلام تهرّب من الحديث عن وحدات حماية الشعب الكردية، وهي الذراع السورية للعمال الكردستاني، وهو ما كان يفعله هذا الإعلام منذ أعوام متهماً واشنطن وعواصم الحلف الأطلسي بدعمها.
ويعتقد المراقبون أن سبب ذلك هو ما اتفق عليه فيدان وكالين مع المسؤولين الأميركيين في واشنطن فيما يتعلق بتقرير مصير الشمال السوري بعد الانسحاب الأميركي المحتمل من العراق، ثم شرقي الفرات، وحيث الوجود الإيراني الواسع من خلال الحشد الشعبي في العراق والمستشارين الإيرانيين شمالي شرقي سوريا.
وتتحدث المعلومات عن اتفاق تركي – أميركي للعمل المحتمل في سوريا، بعد أن بات واضحاً أن الحل لأزمتها ما زال مستبعداً، إن لم يكن مستحيلاً، في ظل المعطيات الداخلية لسوريا والوضعين الإقليمي والدولي، وبصورة خاصة الحرب في غزة وأوكرانيا.
ويدفع مثل هذا الاحتمال الطرفين التركي والأميركي إلى مزيد من العمل المشترك لمواجهة متطلبات المرحلة المقبلة بما في ذلك وضع كل الفصائل المسلحة في إدلب وجوارها تحت السيطرة التركية، وإقناعها بضرورة العمل المشترك خلال المرحلة المقبلة، أي بعد الانسحاب الأميركي المحتمل قبل الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني/نوفمبر، أو بعدها.
وتشير الأوساط السياسية إلى تهرب إردوغان من توجيه أي انتقاد إلى واشنطن في موضوع سوريا أو سياساتها في المنطقة، بما في ذلك دعمها الكيان الصهيوني. وتقول إن إردوغان عاد إلى سياسات التوازن بين موسكو وواشنطن بعد المعلومات التي بدأت تتحدث عن احتمالات أن يلبي الرئيس بايدن مطالب الرئيس إردوغان، شريطة ابتعاده قليلاً عن الرئيس بوتين، وهو ما سيكون أكثر وضوحاً خلال القمة الأطلسية في تموز/يوليو في واشنطن.
وعلى أن تعود أنقرة إلى مسارها الطبيعي في العلاقة بأميركا، التي تخطط مرحلةً جديدة في سياساتها الشرق أوسطية، أياً كانت النتائج المحتملة لحرب غزة، وكل ذلك بالتنسيق والتعاون مع أنظمة الخليج والقاهرة وعمان التي تستمر في تواطئها وتآمرها الخطير ضد الشعب الفلسطيني، وتريد له هذه الأنظمة العميلة أن يموت هذه المرة، ليس بالقتل والتشريد فقط، بل جوعاً وعطشاً أيضاً، وسط المعلومات التي تتوقع لواشنطن أن تحمّل تركيا ادواراً جديدة في مخططاتها المستقبلية، كما هي الحال في مشروع الشرق الأوسط الكبير، بالتنسيق والتعاون مع عواصم المنطقة الموالية لواشنطن.
وتتحدث المعلومات عن زيارة قريبة للرئيس المصري السيسي لأنقرة أواسط الشهر المقبل، أي بعد الانتخابات البلدية نهاية الشهر الجاري، على أن يزور إردوغان بعدها بأيام كلاً من بغداد وبعض عواصم الخليج، وفي مقدمتها الرياض وأبو ظبي والدوحة، الحليفة الاستراتيجية لأنقرة.
ومن دون أن يبالي إردوغان، ومن معه من حكام المنطقة، بكل ما يعانيه وسيعانيه الشعب الفلسطيني، مع استمرار العدوان الصهيوني بغياب الاهتمام، عربياً وإسلامياً، باستثناء الشرفاء والمخلصين والمؤمنين منهم بحقانية القضية الفلسطينية، التي يناضل أبناء الشعب الفلسطيني وحلفاؤه من أجلها، وعلى الرغم من تآمر الكثيرين ضدهم.
وهو ما يفسر استمرار العلاقات السياسية والاقتصادية، بل حتى العسكرية، سراً كان أو علناً، بين عدد من العواصم العربية والإسلامية (بما فيها أنقرة) و”تل أبيب”، التي تحدّت وتتحدى العالم أجمع، ليس بفضل قوتها، وهي من ضرب الخيال، بل بفضل عمالة هذه العواصم التي يعرف الكثيرون انها تتآمر ضد بعضها البعض أيضاً ما دام الكيان الصهيوني يطلب إليها أو يفرض عليها ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كما كان الوضع عليه عندما توترت العلاقات بين الدوحة، المدعومة من تركيا، وكل من الرياض وأبو ظبي والمنامة، المدعومة من مصر، في حزيران/يونيو 2017، لينتهي هذا التوتر فجأة بالمصالحات التي تمت بين الجميع، كاًن شيئاً لم يحدث بينها أبداً، ما دام الكل في الهوا الصهيو – الأميركي سوا!