في الآونة الأخيرة، تداولت وسائل الإعلام تقارير حول وثيقة استخباراتية إسرائيلية مسربة تقترح تهجير سكان قطاع غزة إلى دول مختلفة، من بينها المغرب. تتألف الوثيقة من تسع صفحات، ونشرتها لأول مرة مجلة “+972 Magazine” العبرية. وقد أقرت وزارة الخارجية الإسرائيلية بصحة هذه الوثيقة، لكنها أوضحت أنها لا تعكس سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية، وأنه تم الحسم في هذا الموضوع قبل أسبوعين من تاريخ التصريح.
تتضمن الوثيقة عدة خيارات لترحيل سكان غزة، حيث يأتي في المقام الأول نقلهم إلى شبه جزيرة سيناء المصرية. كما تطرح الوثيقة دولًا أخرى كوجهات محتملة، مثل المغرب، تونس، ليبيا، مصر، اليونان، إسبانيا، السعودية، وكندا. تشير الوثيقة إلى أن دوافع هذه الدول لقبول المهجرين قد تشمل الدعم المالي من الدول العربية، التضامن الإسلامي، أو الضغط من الدول الأوروبية.
في هذا السياق، صرح سفير فلسطين لدى المغرب، عمر الشوبكي، بأن هذه الخطة ليست جديدة، بل هي امتداد لمحاولات سابقة تهدف إلى تهجير سكان غزة إلى سيناء المصرية. وأشار إلى أن هذه المحاولات قوبلت برفض شديد من الفلسطينيين الذين يرفضون مغادرة وطنهم، وكذلك من السلطات المصرية. وأضاف الشوبكي أن إسرائيل تسعى حاليًا إلى تهجير الفلسطينيين تحت وطأة القصف المتواصل على قطاع غزة، مما يدفعهم للنزوح داخليًا. وتساءل عن المرحلة القادمة عندما ينتقل القصف إلى جنوب ووسط غزة، معتبرًا أن إسرائيل تحاول إعادة إحياء مشروع التهجير القديم.
إقرأ أيضا : ما المتوقع من ترامب في ملف الصحراء ؟
المغرب بين الواقع السياسي والحسابات الاستراتيجية
إذا افترضنا جدلًا أن هناك مقترحًا دوليًا يُطرح على المغرب لاستقبال عدد من سكان غزة، فإن ذلك سيثير عدة تساؤلات حول مدى واقعيته. فمن الناحية السياسية، فإن قبول المغرب بهذا السيناريو قد يضعه في مواجهة انتقادات واسعة، سواء من الداخل أو من العالم العربي، باعتبار أن أي خطوة من هذا النوع قد تُفسَّر على أنها مساهمة غير مباشرة في تفريغ غزة من سكانها.
من ناحية أخرى، فإن المغرب يدرك أن قبول اللاجئين الفلسطينيين قد يُعطي ذريعة لإسرائيل لمواصلة عدوانها، ويجعل من التهجير القسري حلًا “ممكنًا” بدل أن يكون جريمة تستوجب الإدانة. فكيف يمكن لدولة بحجم المغرب أن تتورط في سابقة كهذه، قد تفتح المجال أمام سيناريوهات مماثلة في المستقبل؟
البعد الإنساني: معضلة المشاعر والسياسات
لا يمكن إنكار أن هناك جانبًا إنسانيًا في هذه القضية، فالمغرب بلد استقبل عبر تاريخه موجات من اللاجئين من مختلف الجنسيات، وكان دائمًا سبّاقًا في تقديم المساعدات الإنسانية. لكن الفرق بين المساعدات والاستضافة الدائمة هو أن الأولى تعكس موقفًا تضامنيًا، بينما الثانية قد تحمل في طياتها أبعادًا سياسية خطيرة.
ومن الناحية الواقعية، فإن المغرب لديه تحدياته الداخلية الخاصة، بدءًا من القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وصولًا إلى ملف وحدته الترابية، وهو ما يجعل مسألة استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين أمرًا بالغ التعقيد، حتى لو كان الدافع إنسانيًا.
الدعم في المكان وليس الترحيل إلى المجهول
من غير المرجح أن يوافق المغرب على استقبال سكان غزة، ليس لعدم رغبته في مساعدة الفلسطينيين، ولكن لكون هذه الخطوة تتناقض مع موقفه التاريخي الرافض لأي محاولات لطمس الهوية الفلسطينية. المغرب يُدرك أن الحل لا يكمن في نقل الفلسطينيين إلى أراضٍ جديدة، بل في تمكينهم من البقاء في وطنهم وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي يهدد وجودهم.
قد يسعى البعض إلى فرض حلول “إبداعية” للأزمة، لكن المغرب لن يكون جزءًا من مخطط يقلب المعادلة من حماية الفلسطينيين في وطنهم إلى البحث عن بدائل لترحيلهم خارجه. فالتاريخ لا يرحم، وما يُعتبر اليوم “حلاً إنسانيًا” قد يتحوّل غدًا إلى “سابقة كارثية”، تجعل القضية الفلسطينية مجرّد ذكرى في كتب التاريخ.