قبل أن يطير اليوم إلى الولايات المتحدة، للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يوم الثلاثاء المقبل، انشغل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كثيراً خلال الأيام القليلة الماضية بنقاش وبحث كيفية العودة لاستئناف الحرب والعدوان على غزة، من خلال اجتماع عقده في مكتبه أول أمس الجمعة، مروراً بقراره الأخير مساء أمس باستبدال رئاسة طاقم المفاوضات، وتعيين الوزير المقرب منه رون ديرمر رئيساً بدلاً من دافيد برنيع الرئيس الحالي، وليس انتهاءً بالاجتماع الأخير الليلة الماضية لبحث ارسال وفد التفاوض إلى الدوحة يوم الإثنين.
وفي الوقت الذي تحرص فيه المقاومة من خلال ترتيبات ومشاهد الأسرى الإسرائيليين، على تقديم أفضل طريقة من التنظيم والحشد الشعبي، والقدرة على قيادة قطاع غزة وصياغة اليوم التالي للحرب بصياغة فلسطينية بحتة، وتوجيه رسائل لإسرائيل بقدرة حماس على الذهاب بنفس الوتيرة في كل مراحل الصفقة التزاماً بالموقف الوطني والأدبي والأخلاقي مع الوسطاء، وتنفيذ وتطبيق مخرجات اتفاق وقف إطلاق النار كما يجب، فإن الجانب الإسرائيلي يبدو منزعجاً من النظام وآليات التسليم التي تتم وفقاً للقانون الدولي وباحترام كرامة الأسرى بغض النظر عن معتقداتهم، لذا فإن نتنياهو يسعى منذ اليوم الأول لوقف إطلاق النار لإفشال الصفقة ونسفها، حتى قبل وصولها إلى المرحلة الثانية، تحت ضغوطات الوزراء المتطرفين في حكومته، وذلك لتعويض الإخفاق في تحقيق صورة النصر، بعد أن أثبتت المقاومة حضورها بقوة.
إن اقرأ أيضا.. 10 أهداف خسرها الاحتلال في غزة
تغيير مسار المفاوضات من أمني إلى سياسي بإسناد مهمة رئاسة فريق التفاوض الإسرائيلي للوزير ديرمر المقرب من نتنياهو، تعتبر خطوة لها عواقب معقدة للغاية، ويمكن أن تؤدي حسب مصادر إسرائيلية إلى تخريب الصفقة، وربما نسف مرحلتها الأولى، لأن نتنياهو يدرك جيداً أن بقاء برنيع في رئاسة الوفد سيمنح اتفاق وقف إطلاق النار زخماً أكبر للحفاظ عليه واستمراريته، بينما وجود ديرمر سيُبقي على الخيارات مفتوحة، ومن بينها سهولة استئناف الحرب.
ومن هنا سيسعى خلال زيارته إلى الولايات المتحدة لضمان الحصول على دعم ترمب لأي خطوة من شأنها السماح لإسرائيل باستئناف الحرب، ولاشك أن تصريحات منتدى عائلات المحتجزين الإسرائيليين، بمشاهدة حملة إعلامية في إسرائيل هدفها تبربر استئناف الحرب وإلقاء اللوم على حماس، تثبت فعلاً أن نتنياهو جاد في توجهاته لتخريب الصفقة والتخلي عن الأسرى الإسرائيليين وزرع الفرقة بينهم، حيث وصفت عائلات الأسرى حكومته بالوحشية، وأنه سيراوغ كما كان يفعل في عهد الرئيس السابق بايدن، فهل يسمح له ترمب بذلك، وما هو المقابل الذي سيمنحه إياه للحفاظ على وجوده في رأس الحكومة؟ والإبقاء على الصفقة كما هي حتى النهاية؟
الجواب سهل مع رؤية هذه الحملة العسكرية الصاخبة التي تشنها إسرائيل على شمال الضفة الغربية، خصوصاً مخيمي جنين وطولكرم، والشهداء الذين يرتقون يومياً، وتخريب البنية التحتية، وحرق وهدم وتدمير منازل سكان المخيمات، وطردهم من مخيمات اللجوء، إضافة إلى محاولات ترمب نفسه تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة بما يتوافق مع توجهات ورغبات إسرائيل.
هذا ثمن ليس بالسهل يسعى نتنياهو لجني ثماره خلال الزيارة مع انتزاع قرار مبطن بالعودة إلى الحرب، ومن هنا لم نستغرب أمس من تصريحاته التي أدلى بها بعد الانتهاء من الدفعة الرابعة للمرحلة الأولى من صفقة التبادل، من خلال الادعاء بحرصه على إتمام صفقة التبادل حتى الإفراج عن آخر محتجز، وفي حقيقة الأمر هو لا يريد ذلك بشهادة الشارع الإسرائيلي.
هل ينجح نتنياهو بمساعيه ومراوغاته كما فعل طيلة الفترة السابقة مع الكهل بايدن، أم أن ترمب (المصارع السابق) سيوقفه بالضربة القاضية، ويحافظ على وقف إطلاق النار وصفقة التبادل من عبث العابثين بها؟