قال دونالد ترمب إنه سيقطع المساعدات عن أوكرانيا وأكد فريقه للسياسة الخارجية والدفاع جدية التنفيذ، ومع ذلك فعندما وجه وزير الخارجية ماركو روبيو ضربة قوية إلى أوكرانيا المنهكة أصلاً، كان هناك شعور بالذهول والدهشة.
في مذكرة أُرسلت إلى السفارات والوكالات التي تعتمد على التمويل الأميركي والذي بلغ آخر إحصاء له 72 مليار دولار (57 مليار جنيه إسترليني)، أصدر وزير الخارجية الأميركي الجديد أمراً بوقف التمويل الأميركي للمساعدات العالمية لمدة تصل إلى 90 يوماً،هجرة الأثرياء من المملكة المتحدة أقل مما تبدو عليه
أوكرانيا دولة ديمقراطية حددتها أعلى محكمة في العالم، وهي المحكمة الجنائية الدولية، كضحية لجرائم حرب، ومع ذلك يبدو أن المساعدات الأميركية، سواء المدنية أو العسكرية، قد توقفت بين ليلة وضحاها بجرّة قلم.
وفيما كان العالم يستوعب محتوى هذه المذكرة نقلت وكالة “رويترز” عن رئيس إحدى وكالات الإغاثة وصفه للقرار بأنه “جنون”.
وقال المسؤول السابق في وكالة التنمية الأميركية للتنمية الدولية ورئيس منظمة “اللاجئون الدوليون”، جيريمي كونينديك، إن “هذا القرار سيؤدي إلى مقتل الناس، وإذا جرى تنفيذه كما هو مكتوب في المذكرة فسيموت كثيرون”.
وأضاف “لا يمكن اعتبار ذلك محاولة جادة لمراجعة فعالية برامج المساعدات الخارجية، إنها ببساطة أداة هدم تهدف إلى إلحاق أكبر قدر من الدمار”.
لكن الأمر أسوأ من ذلك، فالمرسوم الذي أصدره روبيو والذي يهدف إلى توجيه جميع عمليات المساعدات الخارجية حول العالم بما يتماشى مع أهداف السياسة الخارجية لدونالد ترمب، يخدم بصورة مباشرة مصالح فلاديمير بوتين.
واستباقاً لهذا التجميد الدراماتيكي للمساعدات الخارجية سارعت إدارة جو بايدن المنتهية ولايتها في ديسمبر (كانون الأول) الماضي إلى تمرير 2.5 مليار دولار إضافية كمساعدات عسكرية طارئة لأوكرانيا، ووفقاً لتقرير صحيفة “نيويورك تايمز” فإن نصف هذا المبلغ سيأتي من المخزونات العسكرية الأميركية القائمة، والنصف الآخر سيُخصص لشراء أسلحة جديدة.
إقرأ أيضا : هجرة الأثرياء من المملكة المتحدة أقل مما تبدو عليه
بايدن وقّع أيضاً على تقديم دعم مالي بقيمة 3.4 مليار دولار للاقتصاد الأوكراني، ومن بين هذه المساعدات هناك مشروع محدد جرى الاتفاق عليه بتاريخ الخامس من ديسمبر من العام الماضي يتضمن تخصيص 825 مليون دولار من أموال المساعدات الأميركية لدعم قطاع الطاقة في أوكرانيا، وهي أموال طارئة للحفاظ على استمرار التيار الكهربائي في مواجهة استهداف روسيا لشبكة الطاقة في البلاد.
كل هذا الدعم أصبح الآن إما محل شك أو مجمداً لأسابيع وربما شهور، في وقت يسعى ترمب إلى دفع “اتفاق سلام” بين أوكرانيا وروسيا وإجبار الطرفين على التفاوض.
خلال الحرب الباردة وصفت الاستخبارات السوفياتية (كي جي بي) مجموعات مثل “حملة نزع السلاح النووي” والسياسيين الغربيين المتعاطفين مع الأيديولوجيا الشيوعية للاتحاد السوفياتي بأنهم “أغبياء نافعون”، إذ كانوا يخدمون مصالح الكرملين من دون قصد. [أي أن قرار ترمب بوقف المساعدات الأميركية الخارجية قد يكون له تأثير مشابه]
أوكرانيا في موقف دفاعي عسكرياً، فبعد ثلاثة أعوام من الحرب أصبحت قواتها مرهقة، وحكومة فلوديمير زيلينسكي تضعف، وذخائرها تتناقص بصورة خطرة، ولقد تحول دم الأوكرانيين إلى وحل في أراضي الشرق الزراعية.
إذا كان هناك ضربة إستراتيجية يرغب بوتين بشدة في أن يوجهها حليف لأوكرانيا فستكون تقويض معنوياتها عبر تهديد إمدادات أسلحتها وإرسال إشارات لقواتها بأنهم قد تُركوا وحدهم.
السخرية المتكررة من حلف شمال الأطلسي، حجر الزاوية للأمن الغربي ضد روسيا، من قبل ترمب، وإشارات المسؤولين الروس بما فيهم بوتين حول مطامعهم في دول البلطيق (وهي جميعها أعضاء في الـ “ناتو”) وحتى بولندا، توحي بأن الرئيس الأميركي يتبنى موقف الكرملين، كما أن أوروبا الغربية باتت عرضة للخطر أيضاً.
ولطالما أبدى ترمب تعاطفاً مع الغزو الروسي مبرراً ذلك برغبة أوكرانيا في الانضمام للـ “ناتو”، وأكد نيته قطع المساعدات لكييف والآن نفذ ما هدد به.
ومع هذه النية المسبقة يمكننا أن نستنتج فقط أن ترمب ليس أحمقاً، لكن لا يمكن اعتباره حليفاً أيضاً.