يتمسك عبد الحميد الدبيبة بمنصبه رئيسًا للوزراء معترفًا به دوليًّا في طرابلس بالرغم من محاولات الإطاحة به، بينما تحاول الأطراف الليبية المتنازعة التوصل إلى اتفاق جديد بشأن حكومة موحَّدة.
يقوض عدم الاستقرار السياسي والأمني المتجدد في ليبيا سلطة رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، حيث يقوم اللاعبون السياسيون الليبيون بدعم من الدول الأجنبية بخطوات للإطاحة به واستبدال حكومته المعترف بها دوليًّا. ولكونه يشعر بالحصار في طرابلس، أعاد الدبيبة مؤخرًا استقدام القوات من مسقط رأسه مصراتة وتعبئتها في العاصمة لتعزيز ترتيباته الأمنية. بينما منعت ميليشيات في تاجوراء، في 7 يناير، رتلًا قادمًا من مصراتة من المرور فيها أثناء محاولته العودة إلى العاصمة.
يشكل دعم الفصائل المسلحة المختلفة في طرابلس، والتي دُمج معظمها الآن في قوات الأمن الرسمية، عاملاً رئيسيًّا يمكّن الدبيبة من البقاء في السلطة. ويستغل قائد جهاز دعم الاستقرار وزعيم مجموعات غنيوة، إحدى أقوى المجموعات المسلحة، عبد الغني الككلي الموقف للتفاوض على مناصب رئيسية لرجاله في الوزارات.
وعقب إيقاف رئيس ديوان المحاسبة عن العمل مؤقتًا، في أعقاب قرار أصدرته محكمة طرابلس في ديسمبر، استخدمت لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة بيانات الديوان لإعداد تقرير سيُنشر هذا الشهر يُرجح أن تهاجم استنتاجاته إدارة الرئيس الدبيبة للميزانية.
تأهب المنافسين
كما تضررت صورة الدبيبة العامة بسبب مقابلة أجرتها وزيرة خارجيته السابقة نجلاء المنقوش هذا الشهر على منصة أثير، التابعة لقناة الجزيرة القطرية. ويبدو ما حدث يعكس تغييرًا في اتجاه موقف الدوحة، حليف حكومة الوحدة الوطنية، والتي قد تسحب دعمها للدبيبة.
عُلق عمل الوزيرة المنقوش في أغسطس 2023 في انتظار التحقيق في سبب لقائها بنظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين في روما، فقد تسبب هذا اللقاء في ضجة في ليبيا حيث لا تربط طرابلس رسميًّا أي علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
إقرأ أيضا : وقفة مع تصريحات “نجلاء المنقوش” في لقائها مع “بن قنة”
تقول نجلاء إنَّها لم تُستدعَ للتحقيق، كما أنكرت أنَّ لقاءها بكوهين كان “مبادرة شخصية” منها كما ادعى رئيس الوزراء، إنما بِناءً على طلبه هو، ما تسبب في مزيد من الغضب وأثار العديد من المظاهرات ضد الدبيبة. ويمسك الأخير بعدد من المناصب الرئيسية في حكومته، بما في ذلك وزارة الدفاع ووزارة الخارجية، وهذا ما زاد من شهية منافسيه.
في الإدارة المنافسة في شرق ليبيا، أعلن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح تأييده تشكيل حكومة موحدة جديدة، مع طرح فرضية تعيين مجلس رئاسي جديد يكون مسؤولًا بدوره عن تعيين رئيس وزراء وثلاثة نواب لرئيس الوزراء للمناطق الشرقية والجنوبية ومدينة مصراتة على التوالي.
الاضطرابات الجيوسياسية
مهما تكن عملية إعادة التشكيل السياسي فإنَّ صالحًا يعتزم إيجاد مكان له فيها، كما أنَّ لديه طموحاته الخاصة للرئاسة مع ظهور منافس آخر هو الأمير إدريس بن عبد الله السنوسي الذي أعلن ترشيحه لرئاسة المجلس الرئاسي رسميًّا في ديسمبر.
وفي الوقت نفسه، يبدو أنَّ الاتفاق الضمني للحفاظ على الوضع الراهن بين حكومة الدبيبة وخليفة حفتر على وشك الانهيار. ولا يزال حفتر منفتحًا على فكرة تشكيل حكومة موحدة جديدة حيث يمكنه توزير أحد أبنائه والاحتفاظ بقيادة الجيش، بينما تسعى قوى غربية إلى استمالة ابنه بلقاسم حفتر الذي يدير صندوق إعادة الإعمار الليبي. فقد زار الأخير باريس في نوفمبر ومن المقرر أن يزور لندن في الأيام المقبلة، وبات لديه الآن المكانة السياسية لمحاولة الحصول على منصب نائب رئيس وزراء شرق ليبيا. كما دفعت الاضطرابات الجيوسياسية الإقليمية، التي أشعلها سقوط الديكتاتور السوري بشار الأسد في دمشق في ديسمبر واشنطن وبقية القوى الغربية إلى بذل المزيد من الجهود لمنع أي اتفاق بين حفتر وموسكو. فقد سافر وفد من الجيش الأمريكي إلى معقل حفتر في الرجمة بالقرب من بنغازي الشهر الماضي لمناقشة القضايا الأمنية مع خالد حفتر، الذي يُقال إنَّه المفضل لدى موسكو بين أبناء حفتر.
وأدى رحيل القوات الروسية من سوريا إلى تفاقم المخاوف من أن يصبح شرق ليبيا قاعدة خلفية لموسكو في البحر الأبيض المتوسط، ويتابع المراقبون عن كثب تحرك سفينتي الشحن الروسيتين للاستخدام العسكري “سبارطا” و”سبارطا 2″، اللتين تمركزتا الشهر الماضي قبالة ميناء طرطوس السوري.
كما أثار إعادة تشغيل قاعدة معطن السارّة الجوية هذا الشهر، الواقعة في جنوب ليبيا على الحدود مع السودان وتشاد حيث تسيطر قوات حفتر، الشكوك حول الغاية منها. فروسيا لديها بالفعل حضور كبير في ليبيا عبر مقاتلي مجموعة فاغنر الروسية، التي أعيدت تسميتها الآن باسم “فيلق إفريقيا”، في شرق وجنوب ليبيا.
مناقشة خارطة طريق جديدة للأمم المتحدة
في 13 يناير، تحدث القائم بالأعمال في السفارة الأمريكية في ليبيا جيريمي بيرنت مع كل من خالد وصلاح حفتر لمحاولة إقناعهما بدعم خارطة طريق جديدة للأمم المتحدة للانتخابات الرئاسية، من خلال دعم تشكيل حكومة موحدة جديدة.
ومن المقرر أن تنتهي ولاية بعثة الأمم المتحدة في ليبيا في نهاية هذا الشهر، لكن نائبة ممثلها الخاص للشؤون السياسية ستيفاني كوري مشغولة بتشكيل لجنة استشارية مكونة من 30 عضوًا للنظر مرة أخرى في العقبات المحيطة بقوانين الانتخابات التي أقرها صالح العام الماضي. وتقول كوري إنَّ اللجنة ستصوغ مقترحات بشأن المبادئ التوجيهية التي يجب اتباعها في تشكيل الحكومة الجديدة.
ومع ذلك، فإنَّ الموقف المتغير لتركيا الداعمة لحكومة الوحدة الوطنية قد يغير الوضع. في 15 يناير استقبل الرئيس التركي أردوغان رئيس الوزراء الدبيبة، لكن أنقرة استمرت في الأشهر الأخيرة في تعزيز علاقاتها مع سلطات حفتر. كما يجري الدبلوماسيون الأتراك محادثات مع مصر، التي تدعم المشير حفتر، وفرنسا لمناقشة مقترحات لإنهاء الوضع الراهن، وقد يؤدي سحب الدعم التركي للدبيبة إلى تعجيل رحيله.
العاصمة للدراسات السياسية والمجتمعية