تزامُن زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى بغداد مع زيارة مدير جهاز الاستخبارات التركية إلى دمشق، حيث التقى بالإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، يعكس إستراتيجية مدروسة من قبل أنقرة لإعادة ترتيب الأوراق في ملف حساس يتعلق بقوات سوريا الديمقراطية (قسد) وحزب العمال الكردستاني (PKK) وتأتي هذه التحركات في سياق الاستعداد لمحادثة مرتقبة بين الرئيس رجب طيب أردوغان ونظيره الأميركي دونالد ترامب، مما يشير إلى نوايا أنقرة في تقديم موقف موحد وشامل لا يمكن تجاهله من قبل الإدارة الأميركية.
الزيارة إلى بغداد تأتي في إطار تعزيز العلاقات الثنائية مع العراق، الذي يعتبر شريكا إستراتيجيا لتركيا في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة، في المقابل زيارة مدير جهاز الاستخبارات إلى دمشق ولقاؤه بالإدارة السورية الجديدة، تشير إلى توجه أنقرة نحو استكشاف فرص جديدة للتنسيق مع النظام السوري الجديد.
تركيا تدرك أهمية تحقيق التوافق مع الأطراف الإقليمية لتأمين مصالحها القومية، ففي العراق يبرز ملف حزب العمال الكردستاني كقضية مركزية، حيث تسعى أنقرة إلى حشد دعم بغداد في مكافحة هذا التنظيم الذي يستخدم الأراضي العراقية كقاعدة لشن هجماته، أما في سوريا، فإن التغيير في القيادة السياسية يوفر فرصة جديدة للتعاون بخصوص قسد، التي تعتبرها تركيا امتدادا لحزب العمال الكردستاني.
إقرأ أيضا : فرص ومخاطر تنتظر تركيا بعد وصول ترامب للبيت الأبيض
تحركات أنقرة تعكس إدراكا عميقا لحقيقة أن نجاحها في المحادثات مع الولايات المتحدة يعتمد بشكل كبير على قدرتها على تقديم جبهة موحدة ورؤية مشتركة مع الشركاء الإقليميين، الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع قد تكون حليفا قويا في الجهود التركية لمواجهة قسد، مما يجعل التنسيق التركي – السوري خطوة ضرورية.
الرئيس أردوغان يدرك أهمية هذه اللحظة السياسية، فالولايات المتحدة في حاجة إلى شريك قوي في المنطقة، وتركيا تسعى لتقديم نفسها كحليف لا غنى عنه، خاصة في ظل التوترات الإقليمية والدولية، ومن خلال ترتيب البيت الداخلي وتعزيز التنسيق مع بغداد ودمشق، تسعى أنقرة لإرسال رسالة واضحة إلى واشنطن بأن سياستها الإقليمية تستند إلى إستراتيجية مدروسة ومبنية على شراكات حقيقية، وأن لأنقرة، القدرة على تحقيق الاستقرار في المنطقة عبر التعاون الإقليمي ومعالجة القضايا الأمنية بشكل شامل، كما أن تقديم جبهة موحدة مع بغداد ودمشق يعزز موقف أنقرة ويدعم مطالبتها بضرورة إنهاء الدعم الأميركي لقسد.
الرئيس أردوغان، في محادثته المرتقبة مع الرئيس الأميركي، سيعمل على تسليط الضوء على هذه النقاط، فتركيا ليست فقط شريكا إقليميا، بل أيضا هي لاعب رئيسي في الملفات الدولية المرتبطة بالمنطقة، وموقفها الموحد مع دول الجوار سيزيد من مصداقيتها ويضع الولايات المتحدة في موقف يجعل من الصعب تجاهل المطالب التركية.