دولة الإحتلال

سيناريو إسرائيلي لـ”مبرّرات فشل الحرب”

صعب العثور هذه الأيام على تحليل إسرائيلي لا يتّسم بمشاعر كآبةٍ تصلح عنواناً عريضاً للعديد من التحليلات التي تقدّم قراءة لمآلات الحرب المستمرّة، عبر مقايستها مع ما وضعته إسرائيل لها من أهداف.

لا يصعُب على متابع آخر التحليلات الإسرائيلية بشأن نتائج الحرب على قطاع غزّة، سيما المكتوبة بأقلام أبواق الحكومة ورئيسها بنيامين نتنياهو، ملاحظة أن هناك إمعاناً في إقحام عوامل خارجية من أجل تبرير الفشل في تحقيق نتائج الحرب مثلما وضعتها دولة الاحتلال عندما أعلنت شنّها قبل أكثر من خمسة أشهر، وفي مقدّمها القضاء على حركة حماس.

وإذا كان هذا الإمعان يرمي، بالأساس، إلى إسباغ عوامل خارجية على إهدار فرصة تحقيق تلك النتائج، كون هذه العوامل تشي بأنها خارجة عن إرادة أصحاب القرار الإسرائيلي، فهو في العمق يمثّل الترجمة العملية للإقرار بفشل الحرب.

وعموماً، يصعب العثور هذه الأيام على تحليل إسرائيلي لا يتّسم بمشاعر كآبةٍ تصلح عنواناً عريضاً للعديد من التحليلات التي تقدّم قراءة لمآلات الحرب المستمرّة، عبر مقايستها مع ما وضعته إسرائيل لها من أهداف.

ومع أن العنوان الأبرز لهذه العوامل الخارجية هو ما يوصف في تلك التحليلات بأنه تدويل الحرب أو عولمتها، بما يجعل من الضغط العالمي رويداً رويداً سبباً مباشراً قويًّاً لوقف الحرب وقطع الطريق على تحقيق نتائجها إسرائيلياً، فإنّ الأكثر لفتاً للانتباه التقييم الذي يبدو مستجدّاً لدور الولايات المتحدة بإدارتها الديمقراطيّة الحالية. فمنذ عدة أيام تطغى على جلّ التحليلات في صحيفة يسرائيل هيوم الناطقة بلسان نتنياهو وتياره السياسي، وكذلك التي يكتبها معلقون من حزب الليكود واليمين في وسائل إعلام إسرائيلية أخرى، نبرة تشدّد على أن الإدارة الأميركية الحاليّة لم تتراجع عن مواقفها التقليدية المؤيدة للحرب ولهدف القضاء على حركة حماس، ولكنها، في الوقت عينه، تضع عراقيل أمام إسرائيل في طريق تحقيق هذا الهدف أهمها منعها من اجتياح رفح في جنوب قطاع غزّة، مثلما كتب السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن، زلمان شوفال، في صحيفة معاريف.

وبما يتسّق مع هذه الخلاصة دعا سفير إسرائيلي سابق آخر في واشنطن، هو مايكل أورن، إلى أن تتجّه إسرائيل نحو تحقيق استقلالية عن مصادر تمويل أجنبية بما في ذلك الأميركية، فتعلقها الحالي بهذه المصادر قد لا يكون، برأيه “أقلّ تهديداً من حماس نفسها، بل أصبح خطراً استراتيجيّاً”، بحسب ما كتب في صحيفة يسرائيل هيوم. وهي الصحيفة نفسها التي كتب فيها أحد المستشرقين الإسرائيليين من جامعة بار إيلان، يهودا بلنغا، إن سيطرة إسرائيل على مجريات الحرب في غزّة كانت هشّة، لأنها تنازلت منذ يوم 16 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في مستهل الأسبوع الثاني للحرب، عن إدارة المعارك بشكل مستقل، ووافقت على أن يشارك وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في اجتماعات المجلس الوزاري الحربي (الكابينت).

وثمّة نماذج عديدة أخرى تورد مثل هذه الاستنتاجات التي تثبت، سواء بدلالات المقولات التي تنطوي عليها أو بما يُراد أن تحيل إليه من إيحاءات، أنها مواقفُ لا تأخذ فقط بالجزء الذي قد يكون تلفيقيّاً، وتغفل عن قراءة التطورات كاملة في سيرورتها الشمولية، إنما أيضاً تميل إلى الانتقائية وتفتقد أي نسقيّة أو رؤية كليّة.

ولعلّ الأمر الأكثر أهمية من ذلك يظل كامناً في دلالتين متصلتين: دلالة أن تحقيق انتصار على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة بواسطة القوة الهائلة التي في حيازة إسرائيل، وهي قوة غير مشكوك فيها بتاتاً، هو ضرب من الخيال. وهذا أمر يجري التأكيد عليه مرارأً وتكراراً حتى من مسؤولين عسكريين سابقين، لا من منطلق معارضة الحرب أو مناهضة الاحتلال وتأييد القضية الفلسطينية… إلخ، وإنما بدافع ازدراء التصريحات المتواترة التي تصدُر عن القادة السياسيين والعسكريين بشأن الانتصار.

والدلالة الثانية هي الفشل الذي يُحيق بالعمليات العسكريّة الإسرائيلية في القطاع، والعلاقة غير الواقعية بين سير تلك العمليات والأهداف التي وضعتها الحكومة الإسرائيلية للحرب ولا تزال تصرّ على تحقيقها. وينبغي أن نضيف أن هذا منطوٍ أيضاً على إقرارٍ، وإن ضمنيٍّا، بقدرات المقاومة وصمودها.

أنطوان شلحت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى