في كلمته المتلفزة الأخيرة، بدا الأمين العام لـ” حزب الله” السيد حسن نصرالله بقراءاته للحرب الدائرة في غزة والمحتملة في لبنان أقرب الى منطق تخطته حرب غزة بمضاعفاتها الخطيرة في المنطقة. فقد بنى قراءته حول الانتصار في غزة على أساس أن الانتصار هو ان بقاء حركة “حماس” في قطاع غزة حتى بعد اجتياح مدينة رفح، سيمكنها من رفع شارة النصر من بين الأنقاض وفوق عشرات آلاف الجثث.
قال نصرالله موجها كلامه لرئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “حتى لو ذهبت الى رفح خسرت الحرب لأنك لم تستطع ان تقدم صورة نصر واحدة في الأشهر الستة “. أضاف في رد على منتقدي فاعلية حرب “المشاغلة” في مساندة غزة: “ليت هؤلاء يستمعون الى المسؤولين الإسرائيليين عما يجري في الجبهة”. وقال: “اذا كان ما نقوم به غير مفيد عندها يأخذ الإسرائيلي العسكر الى غزة”.
كان واضحاً جداً ان كلمة نصرالله كانت موجهة حصرا لبيئته وليس للبيئات الطائفية الأخرى. تلك البيئات ادارت ظهرها نهائيا لسردية “حزب الله” فيما يتعلق بالحرب التي يخوضها مع إسرائيل انطلاقا من الجنوب اللبناني. والحقيقة انها غير معنية بما اذا كانت الحرب مفيدة أم غير مفيدة. فهي تبحث عما يقي لبنان من شرور حروب الغير على ارضه. وتعتبر ان “حزب الله” ضرب عرض الحائط بأسس الحياة الوطنية المشتركة عندما قام مرة جديدة بعد حرب العام 2006 بالتورط في حرب تعتبر الغالبية العظمى من اللبنانيين انها فرضت بقوة الاكراه على بيئات لبنانية رفضت وترفض ان يتحكم بها فريق يستغل سلاحا من خارج الشرعية لخدمة أجندات خارجية.
في كلمته حاول نصرالله ان يرمم صورة حزبه في نظر البعض في بيئته الطائفية الذين بدأوا يشككون بجدوى حرب “المشاغلة” مع إسرائيل بعدما اكتشفوا انها لم تمنع إسرائيل من اجتياح معظم قطاع غزة، وسحق المدنيين تحت القنابل والصواريخ، وتدمير الحياة المدنية في القطاع بأسره، محوّلة حياة الغزيين الى جحيم. وما عزز الشكوك هو حجم الخسائر التي تكبدها “حزب الله” في الأشهر الستة الماضية. اكثر من ٢٥٠ مقاتلاً وقائداً ميدانيا سقطوا، وآلاف الوحدات السكنية في القرى الحدودية اللبنانية دمرت.
واضطر اكثر من 100 الف مواطن الى النزوح من الشريط المحاذي للحدود. والخسائر لا تشمل الاقتصاد الجنوبي، ولا الاقتصاد الوطني الذي تأثر سلبا بشكل غير مباشر. واللافت ان الأمين العام ل “حزب الله” الذي تحدث عن الخسائر الإسرائيلية لم ينجح في اثبات صحة نظريته بأن حربه مفيدة لغزة سوى بالإشارة الى الحشد العسكري الإسرائيلي على الحدود مع لبنان، معتبراً انه يؤكد كلامه ان الحرب مفيدة لغزة، وإلا كان الجيش الإسرائيلي ارسل الوحدات المرابطة على الحدود الشمالية الى غزة.
لكن ما فات نصرالله ان إسرائيل التي حشدت في بداية الحرب حوالي 350 الف جندي، قامت في الأشهر الأخيرة بتسريح عشرات الآلاف من وحدات الاحتياط لإعادتهم الى الحياة المدنية بعدما تبين لها انها ما عادت تحتاج كل هذه الاعداد في حربها مع حركة “حماس” والفصائل في القطاع. ويقدر عدد الجنود الذين يقاتلون على جبهة غزة بعشرات الألاف. لكن الأخطر ان الحشد على الحدود الشمالية مع لبنان ما عاد يرتبط منذ عدة اسابيع بالحرب الحالية في غزة.
المسألة باتت تتعلق بتغيير الواقع على الحدود مع لبنان اما بالدبلوماسية او بالحرب. وهنا وجه الخطورة الذي نتحدث عنه، لاسيما ان المجتمع الدولي لم يعد يخفي توقعاته بقرب نشوب حرب واسعة ومدمرة في لبنان. ومن هنا الخوف من ان يكون الزمن طوى منطق الربح او الخسارة لدى الحزب المذكور فاختلت قراءته للواقع.