بعد مرور أكثر من شهر من تولي الإدارة السياسية الجديدة زمام الأمور السياسية والإدارية في دمشق وتعيين حكومة الإنقاذ بشكل مؤقت يمكننا القول إن الأداء بشكل عام هو أداء ناجح، وإن كان من الصعب التكلم عن استراتيجيات معينة تتبعها دمشق، فالوضع ما يزال في بدايته إضافة للإرث الثقيل الذي تركه نظام الأسد من خراب ودمار لكل مؤسسات الدولة ومدنها.
لكن الملاحظ في الأداء السياسي لوزارة الخارجية للإدارة السياسية الجديدة بأنه منضبط و متوازن وفق رؤية مقبولة عند الكثير من الأطراف الدولية و هذا كان واضحاً من التصريحات التي جاءت من قبل المسؤولين الذين زاروا دمشق أو الذين قام بزيارتهم وزير الخارجية السيد أسعد الشيباني، ولو أضفنا على ذلك النتائج الحاصلة ما بعد تلك الزيارات سنجد أن النتائج الإيجابية أصبحت ملموسة ويمكن اعتبار أحد هذه النتائج هو مخرجات و قرارات اجتماع مسؤولي وزارات الخارجية لدول الخليج العربي و الذي شهد توافق بين تلك الدول حول خريطة طريق من أجل دعم الاستقرار في سوريا و إعادتها لمكانتها الإقليمية التي كانت عليها مسبقاً، إضافة للاجتماع العربي و الدولي الذي أقامته المملكة العربية السعودية في العاصمة رياض في مسعى منها هي أيضاً لتحقيق الاستقرار والدعم لسوريا بعد سقوط نظام الأسد، علاوة على ما قامت به المملكة السعودية من إرسال جسر بري من المساعدات الإنسانية لدعم الشعب السوري وكذلك قطر التي أرسلت أول طائرة مساعدات إلى دمشق.
أما على الصعيد الثاني (غير العربي) فزيارة الشيباني لتركيا بعد جولته في دول الخليج العربي كانت متوقعة لما قامت به أنقرة من دعم كبير للمعارضة السورية منذ بداية الثورة السورية وما تقوم به حتى الآن من دعم سياسي للإدارة السورية الجديدة وتثبيتها كمخاطب سياسي للمجتمع الدولي ومطالبتها بإنهاء العقوبات المفروضة على سوريا من أجل إعادة الإعمار وإحياء التجارة البينية بين البلدين المتجاورين إضافة لدعمها الكامل لاستعادة دمشق سيطرتها على كامل التراب السوري ورفضها محاولات قسد استغلال الوضع من أجل إقامة كيان مستقل لها، ومطالبات أنقرة إسرائيل الخروج من الأراضي التي دخلتها في الجنوب السوري، واستعدادها التام في إعادة وتدريب الجيش السوري في حال تشكيله.
إقرأ أيضا : إعادة الإعمار.. هاجس ما بعد الحرب
هذه النتائج الإيجابية حتى الآن جاءت نتيجة تكتيك جيد في أداء الخارجية السورية و قراءة واقعية لموازين القوى في المنطقة وحسن التنسيق في العلاقات بين تلك القوى، فابتداء الزيارات الرسمية الخارجية من دول الخليج (المملكة العربية السعودية وقطر و الإمارات العربية المتحدة) تأكيد منها على الانتماء العربي لسوريا ومعرفتها مقدار تأثير تلك الدول على الولايات المتحدة الأميركية لما تمتلكه من شراكات اقتصادية واستراتيجية هامة معها وما يمكن أن تقوم به في إنهاء العقوبات المفروضة على سوريا وتمويل مشاريع إعادة الإعمار وإحياء سوق المال و المصارف البنكية في سوريا، إضافة لثقلها السياسي في بعض العواصم العربية (القاهرة ، عمان) مما يمكنها من الاستفادة منها من أجل تحسين العلاقات مع دمشق وتثبيتها سياسياً والاعتراف بها كمخاطب سياسي لتلك العواصم.
رغم أنه من المبكر الحكم على نجاح السياسة الخارجية من فشله إلا أن المؤشرات الأولية تعطي انطباعاً لا بأس به من أن الأداء كان جيداً حتى الآن وأنه يبشر باستراتيجية قادمة ذات فاعلية و واقعية مهمة وخاصة أن الزيارات الأولى التي قام بها الوزير الشيباني أظهرت أن هذه الإدارة الجديدة مدركة تماماً لما يحصل من تغيرات سياسية في المنطقة وفي العالم وأظهرت أنها على دراية بالمفاتيح التي يجب التوجه نحوها من أجل طرق وفتح أبواب الغرب الاقتصادية و السياسية، وأن الاستراتيجية الفاشلة التي اتبعها النظام السابق لم تجلب إلا العزلة والتخلف الاقتصادي لسورية وخاصة أن كل دول المنطقة أصبحت صديقة للغرب وخاصة للولايات المتحدة الأميركية وراحت سياسات واستراتيجيات تلك الدول تتماشى مع المصالح الأميركية بينما كانت دمشق متقوقعة في ظلال المحور الروسي الإيراني.
الوضع في سوريا لا يشبه أي من الدول المحيطة بها فموقعها الجغرافي وضَعَها بين قوتين هما من القوى الأكبر في المنطقة تركيا من الشمال وإسرائيل من الجنوب والتنافس بين هاتين الدولتين بدأ يتحول لصراع بينهما تجلت فصوله على الأراضي السورية، فإسرائيل تدعم قسد وتركيا تدعم الحكومة والإدارة السياسية في دمشق وهذا ينعكس على الوضع الميداني غير المستقر حتى الآن بين قسد ودمشق، ويمكن اعتبار توجه الشيباني نحو السعودية هو لتشكيل كتلة سياسية قوية بين دول الخليج و تركيا للضغط على قسد و طبعاً من خلفها الولايات المتحدة الأميركية وبهذا تكسب دمشق زخماً سياسياً يُحسب لها في كل الأحوال سواء تخلت أم لم تتخلَّ واشنطن عن قسد.