لنتأمل هنا دونالد ترامب. فهو يعرف كيف يبيع فكرة ويثير حماسة السوق وقلقه. وسوف يستعيد قناة بنما، ويحتل جرينلاند، ويستعبد كندا. وربما يدبر انقلابا سياسيا في لندن. وقد نشأت صناعة كاملة من المعلقين العالميين الذين يتنبأون بحدوث اضطرابات في الشؤون العالمية بسبب تعطيل ما يسمى “النظام الدولي القائم على القواعد” الذي فرضه الرئيس دونالد ترامب بعد الحرب. ومن المتوقع أن يلاحق ترامب ليس فقط خصومه مثل الصين وإيران وروسيا، بل وأيضا حلفاءه وأصدقائه في مختلف أنحاء أوروبا وآسيا.
يبدو أن القيادة الهندية دخلت في حالة من الاضطراب، وخاصة بعد أن تلقى الرئيس شي جين بينج دعوة لحضور حفل تنصيب ترامب. وكل التكهنات حول من تم رصده في أي حفل في واشنطن هذا الأسبوع لا تختلف عن الإثارة المحيطة بقائمة الضيوف في حفل تنصيب الملياردير.
ولكن إلى أي مدى يمكن اعتبار هذا الحديث عن الاضطرابات والاضطرابات التي يروج لها ترامب مجرد خدعة وتهديد؟ والواقع أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: إلى أي مدى أصبحت الولايات المتحدة اليوم قادرة على تعطيل النظام العالمي القائم وإلحاق الضرر به دون أن تلحق بها الأذى؟ وهل يستطيع ترامب أن يجعل أميركا عظيمة مرة أخرى من خلال إيذاء الحلفاء وخسارة الأصدقاء؟ وهل يستطيع أن يفعل ذلك من خلال أخذ البلدان رهينة؟ وهل المجتمع الدولي ضعيف وغير منظم وعرضة للخطر إلى الحد الذي يجعله يستسلم ببساطة ويستسلم؟ وهل لا تملك الدول ذات السيادة أي خيارات؟
ولكن ما الذي يجعل من برنامج ترامب “أميركا أولا” برنامجا خاصا ومثيرا للتحدي؟ متى كانت آخر مرة وضعت فيها الولايات المتحدة احتياجات ورغبات دولة أخرى قبل احتياجاتها ورغباتها حتى يزعم ترامب الآن أن الوقت قد حان لكي تعلن الولايات المتحدة “أميركا أولا”؟
إقرأ أيضا : لماذا يتجرع “نتنياهو” الآن الهزيمة؟
كانت أميركا دائما في المقدمة بفضل قيادتها بعد الحرب العالمية الثانية. فقد رفضت الانسحاب من الدول التي هزمتها واحتلتها في تلك الحرب. ومن ناحية أخرى، خاضت حروباً جديدة لتأمين السيطرة على أراض جديدة، ثم ادعت أنها تضمن السلام والاستقرار العالميين باسم “النظام الدولي الليبرالي القائم على القواعد”. وكان هذا صحيحا حتى عندما استثمرت في الدفاع عن الدول التي احتلتها، مثل اليابان وكوريا الجنوبية ومعظم دول أوروبا الغربية.
هذه ليست المرة الأولى في التاريخ الحديث التي يزرع فيها الخوف في عواصم العالم من الضرر الذي يمكن أن تسببه القوة الأميركية. كانت هناك فترة وجيزة أطلق عليها “لحظة القطب الواحد”. انهار مبنى نظام توازن القوى بعد الحرب بالكامل مع انهيار الاتحاد السوفييتي. برزت الولايات المتحدة كقوة عالمية عظمى. عند مسح الأدبيات في تلك الحقبة، في أوائل التسعينيات، يجد المرء تنبؤات مماثلة بأن القوة الأميركية تعطل النظام العالمي.
لا شك أن الولايات المتحدة استغلت تلك اللحظة لتجديد مصادر قوتها من خلال إدخال نظام تجاري عالمي جديد، ومجموعة جديدة من القواعد لحماية الملكية الفكرية، وتحالفات عسكرية جديدة، والدخول في مغامرات عسكرية جديدة. وأعلن عالم السياسة الأميركي فرانسيس فوكوياما انتصار أميركا في أطروحته “نهاية التاريخ والإنسان الأخير” في عام 1992. ولا يزال العديد من القادة الأميركيين صامدين في فيتنام وأفغانستان، ناهيك عن الصين وروسيا. وإذا انتهى فصل من فصول التاريخ، فقد بدأ فصل آخر.