خلال حملته الرئاسية، أعلن الرئيس المنتخب دونالد ترامب مرارا وتكرارا أنه سينهي الحرب في أوكرانيا في غضون أربع وعشرين ساعة . ولكن حتى لو حاول إجبار الأوكرانيين على الاستسلام، فلن يكون من الممكن إنهاء هذه الحرب بهذه السرعة على أي حال. لن يستسلم الأوكرانيون بهذه السهولة، ولا ينبغي لترامب أن يسعى إلى استسلامهم الكامل: فإذا استسلمت كييف، فسوف تخسر.
في تقليد الدبلوماسية الروسية التي تنظر إلى العلاقات الدولية باعتبارها لعبة محصلتها صفر، يحرص الرئيس فلاديمير بوتين على إلحاق هزيمة مدمرة بأوكرانيا، وبالتالي بشركائها في حلف شمال الأطلسي الذي تعد فيه الولايات المتحدة في الزعيم الأول.
ويتلخص هدف بوتن المعلن في “تجنب الهزيمة الاستراتيجية لروسيا على يد حلف شمال الأطلسي” ــ وهو ما يُنظر إليه باعتباره تهديداً وجودياً يحشده بالكامل، حتى ولو لم يعلن حلف شمال الأطلسي قط عن نيته مهاجمة روسيا.
ربما يتطلع ترامب إلى عقد صفقة ، لكنه بالتأكيد لن يريد صفقة تجعله يبدو وكأنه خاسر. ومن جانبه، يرغب بوتين في أن يكون له شريك دائم في ترامب، يمكنه من خلاله تحقيق عدة أهداف – مثل الخروج من العقوبات القاسية التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على روسيا. وبعبارة أخرى، لا يستطيع بوتين تحمل تكاليف إجبار ترامب على الخسارة: وهو ما يعني أنه لا يستطيع سحق الأوكرانيين. وعليهم أيضاً أن يخرجوا من هذه الحرب وقد حققوا جزءاً من أهدافهم.
إقرأ أيضا : هل علينا أن نخشى من طموحات الصين النووية ؟
إن ديناميكيات المفاوضات تتطور، مع المهمة الدقيقة المتمثلة في إيجاد توازن مربح للجانبين.
وسوف يكون لزاماً على أوكرانيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وروسيا أن تخرج من المفاوضات بنتيجة ملموسة فيما يتصل بالأمن، أو الاقتصاد، أو ببساطة ـ وهو البعد السياسي الرئيسي ـ لحفظ ماء الوجه.
وقبل أن نتناول هذه القضية، يتعين علينا أن نكون واضحين بشأن من سيكون ضمن اللاعبين الرئيسيين على طاولة المفاوضات وخلف الكواليس.
وقد عرضت العديد من الدول والجهات الفاعلة أفكارها ــ من الرئيس الصيني شي جين بينج إلى التجمع الكبير من الدول التي اجتمعت في قمة في سويسرا الصيف الماضي والتي ركزت على السلام في أوكرانيا. ورغم أن العديد من زعماء العالم ومجموعات الجهات الفاعلة قد يلعبون دورا هامشيا، فإن خمسة منهم سيكونون بحكم الأمر الواقع في قلب المفاوضات وهنا نفصد : أوكرانيا، وروسيا، وحلف شمال الأطلسي، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة تحت قيادة دونالد ترامب.
حل “مربح للجانبين”.
ورغم أن بوتين قد لا يرغب في التخلي عن شروطه فيما يتعلق بالمساعدات الأميركية لأوكرانيا، فإنه لديه نفس القدر من الاهتمام بالسير على طريق ترامب جزئيا. وقد يكون استئناف المفاوضات النووية أحد تلك الأمور التي من شأنها أن تكلف بوتين قدراً قليلاً نسبياً من رأس المال داخلياً بينما تعيده إلى الساحة الدولية إلى جانب الرئيس الأميركي.
أما بالنسبة لترامب، فإن اتفاق السلام في أوكرانيا والاتفاق النووي الجديد مع روسيا من شأنه أن يعزز سمعته باعتباره المفاوض النهائي – بل وحتى صانع السلام النهائي. من خلال إبرام صفقتين كبيرتين ، سيحقق ترامب أهدافًا لم تتمكن إدارة بايدن من تحقيقها.
لكن من المؤكد أن بوتين سيأتي إلى طاولة المفاوضات حاملاً أهدافه الخاصة. والأهم من ذلك، أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي، الذي قاتل مواطنوه ببسالة من أجل حريتهم واستقلالهم منذ فبراير 2022، ستكون له المطالب الأكثر أهمية على طاولة المفاوضات .
إن مستقبل أوكرانيا على المحك، وسوف تحتاج البلاد إلى رؤية مستقبل إيجابي نتيجة للمفاوضات. وبالنسبة لجميع الأطراف المعنية، فإن هذا يعني الابتعاد عن لعبة محصلتها صفر، حيث الفائز يحصل على كل شيء، نحو نتيجة متوازنة حقا.
ولكي يتسنى التوصل إلى نتيجة إيجابية، سوف يرغب الرئيس ترامب في ضمان عدم خسارته في المفاوضات مع بوتين بشأن أوكرانيا؛ سيكون بوتين على استعداد لتقديم بعض التنازلات، والتي تم صياغتها بعناية لحفظ ماء الوجه – تنازلاته، وتنازلات ترامب، وزيلينسكي أيضًا.
روز جوتمولر : النائبة السابقة للأمين العام لحلف شمال الأطلسي