ترددت في الفترة الأخيرة، سواء في الصحافة العراقية والعربية والأمريكية، أو بالتصريحات عراقيا وعربيا وأمريكيا؛ أن الولايات المتحدة في صدد إحداث تغييرات في العملية السياسية في العراق، كما درج على تسميتها منذ احتلال العاصمة بغداد، وتطالب الولايات المتحدة الأمريكية، الحكومة العراقية بحل الحشد الشعبي والفصائل الأخرى؛ وإلا فإنها ستتحرك ضدها، واستند هذا إلى ما قدمه محمد الحسان الممثل الدولي في العراق؛ من شروط لنجاح العمل السياسي في العراق، واعتبرها عدد من الصحافيين والكتاب إملاءات أمريكية، باسم الأمم المتحدة.
الشق الثاني من هذا الترويج المقصود؛ أن أمريكا، خصوصا أن إدارة ترامب المقبلة ستعمل بطريقة أو بأخرى على تغيير الأوضاع في العراق، أو تغيير العملية السياسية ورؤوسها في العراق، ولم تستبعد الصحافة أو الآراء؛ العمل العسكري، بواسطة الكيان الإسرائيلي.
بصرف النظر، عن الفساد الذي استشرى في الإدارات المتعاقبة طيلة أكثر من عشرين عاما، إلا أن الواجب الوطني والشرف الوطني، ومصالح الوطن في لحظة تاريخية ومفصلية وخطيرة على وحدة العراق؛ تستدعي تركيز القائمين على إدارة الشأن الوطني؛ على استقلال العراق وسيادته، اللذين يعوزهما الكثير والكثير جدا؛ ليكونا كاملين من دون أثلام هنا وهناك، ما يقود إلى فوضى في اتخاذ القرارات، وإضعاف جسد العراق، بالفساد والتخندق المناطقي والفئوي؛ الذي ينتج هويات فرعية تحل محل الهوية العراقية الجامعة لكل العراقيين، لا يأتي هذا التركيز إلا بتمتين الجبهة الداخلية وتحصينها؛ من خلال الإصلاح السياسي والاقتصادي والثقافي، بتحميل الخطاب الثقافي وأيضا السياسي، لغة الوطن الواحد لكل مواطنيه، وترسيخ وتجذير المؤسسات القانونية، التي يعوزها الكثير من القوة واستقلالية القرار، والاستجابة للتغييرات والتحولات في العالم، وفي المنطقة العربية وجوارها؛ وانخراط الكتل والأحزاب التي تتصدر العمل السياسي، أو العمل السياسي الحكومي في العراق، أو غيرهم ممن كانوا في صلب العمل السياسي، وما زالوا، في هذا التغيير.
هؤلاء كلهم، من الواجب الوطني والأخلاقي عليهم ان يبدأوا التفكير الجدي والممنهج ببرنامج عمل للإصلاح والتغيير الحقيقيين، في محيط إقليمي ودولي آخذ في التغيَر والتحَول؛ وتطبيقه على أرض الواقع، لا مجرد خطط من دون ان تأخذ طريقها للعمل والتنفيذ. العراق بات بحاجة ماسة إلى التغيير الداخلي، تفكيرا وتخطيطا وإجرائيا، بروح وعقل وتفكير عراقي صرف، على قواعد وأعمدة الاستقلال التام والكامل في القرار، سواء كان في السياسية الداخلية أو الخارجية، أو في الاقتصاد بشقيه التجاري والمالي.
العراق بلد له، تأريخ موغل في القدم فهو وطن الحضارات بتاريخه الممتد عبر آلاف السنين، والتي لا تقل عن ثمانية آلاف سنة، فكيف لبلد او لوطن بهذا العمق الحضاري أن يرضخ للإملاءات الخارجية.
إقرأ أيضا : الرهان الخاسر.. سقوط الأسد والإشكالية الإيرانية
التغيير من الخارج ما هو إلا احتلال جديد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، مع انه لن يحدث أبدا، لكن مع افتراض أن له حظا في الوجود، أقول مع هذا الافتراض؛ كيف لنا كعراقيين أن نقبل ونروج ونفرح وربما ننتظر.. أقصد البعض من العراقيين وهم أقل من القلة؛ أن تعود لنا أمريكا بطائراتها ودباباتها لتدنس أرض الحضارات مرة أخرى، بعد أن داست آلاتها العسكرية أديم أرض الرافدين في ربيع عام 2003. أغلب الحديث يدور حول حل الحشد الشعبي، كمطلب أمريكي.
إن الحشد الشعبي لن يحل أبداً، لكن هنا ينبثق سؤال من صلب واقع العراق المعيش المكتظ بالإرادات المتباينة وما نتج عنها سابقا وينتج عنها حاليا من مخاطر على وحدة العراق هو، هل حل الحشد الشعبي يخدم وحدة العراق؟ أم حله يشكل خطرا كبيرا على وحدته؟ مهم ومهم جدا، وله خطورة بالغة على حاضر ومستقبل العراق؛ إن رضخ المسؤولون للإرادة الأمريكية، على فرض أن هناك مطلبا أمريكيا بهذا الاتجاه، حسب المصادر الصحافية. أشك في حقيقة وجود مثل هذا الطلب أمريكيا، إذا كان هذا الطلب حقيقيا؛ فإنه طلب يخفي وراءه الكثير من الخطط الأمريكية، وهي وبكل تأكيد لصالح أمريكا وليس لصالح الشعب العراقي، ويهدد وحدته في الذهاب إلى إقامة الأقاليم على طريقة إقليم كردستان المستقل، الذي هو شكلي أو بروتكولي ضمن جغرافية العراق.
الولايات المتحدة تتحدث بصورة مستمرة عن أنها تحارب الإرهاب في أي مكان كان على أرض المعمورة، مع أنها هي أكبر دولة للإرهاب الدولي؛ سواء بغزوها واحتلالها للدول المستقلة، أو في دفع تيارات من الهواء المحمل بأوكسجين الحياة في جسد الإرهاب في أي مكان كان، حين تقتضي مصلحتها ذلك؛ أو في مشاركتها للجرائم الصهيونية في غزة، وعلى مسمع ومرأى كل العالم، وكل العالم الإسلامي وكل الانظمة العربية في أوطان العرب. عليه فإن كل ما تقول به أمريكا أو تفرضه أو تنصح به ما هو إلا لمصالحها وليس لمصلحة الشعب والوطن؛ وإنها لا تكتفي بالنصح، بل الإجبار على التنفيذ بطريقة او بأخرى؛ واول هذه الطرق أو الطريقة الوحيدة في البعض من الدول التي لا ترضخ لها؛ هي العقوبات القاسية كما هو حاصل مع إيران، وما تزال تهدد به إيران في المقبل من الأيام. هنا تكمن الخطورة على العراق؛ لأن هذه العقوبات إن تم تجديدها بقسوة على إيران؛ ستكون لها تداعيات على العراق بشكل أو بآخر.
من المهم في هذه الحالة إن هي حصلت؛ أن تتصرف الحكومة العراقية، بحكمة وحنكة، ومناورة سياسية واقتصادية وتجارية ومالية؛ وتدير العملية، أي تداعيات العقوبات القصوى على إيران؛ بطريقة مستقلة تماما عن أي تأثير أو ضغط أو إغماض عينيها، عن الاختراقات التي ستحصل كتحصيل حاصل ضغط الواقع؛ لأن امريكا سواء كان رئيسها ترامب، أو غيره تمتلك أوراق ضغط لا يستهان بها؛ وهي المال العراقي المتأتي من صادرات العراق النفطية، التي يتم إيداعها في البنك الفيدرالي الأمريكي، الذي يكاد يكون الممول الوحيد لخزينة العراق.
إن التغير السياسي في العراق الذي تلوح به أمريكا؛ من خلال الصحف الأمريكية، والبعض من أعضاء الكونغرس، ومن أقلام عراقية؛ ليس حل الحشد الشعبي، لأنه جزء من المنظومة الأمنية والعسكرية العراقية، بل، ربما الفصائل المسلحة الأخرى، كما قال المالكي في مقابلة له مؤخرا مع إحدى القنوات الفضائية. لكن الأهم، بل هو الأساس في التوجه الأمريكي أو أمريكا ترامب في المقبل من الأيام في سياستها نحو العراق؛ هو التجارة والمال والاقتصاد، وعلاقة كل هذا مع إيران، التي كما يقول الإعلام الامريكي والبعض من طاقم إدارة ترامب؛ إن أمريكا في صدد التحضير في العودة إلى العقوبات القصوى على إيران؛ لإجبارها على التفاوض في ما يخص برنامجها النووي، والصاروخي، وطبيعة علاقتها في فضائها الاقليمي..