تدهورت قيمة الليرة السورية إلى مستويات غير مسبوقة، وهو أمر لا يعكس الواقع الاقتصادي الحقيقي (Real Economy) في البلاد؛ فالاقتصاد السوري اليوم يعاني من غياب شبه كامل للإنتاج والصادرات، ما جعل العملة المحلية تعتمد على التوقعات النفسية والتفاؤل غير المستدام في السوق، وليس على قوى السوق الفعلية أو النشاط الاقتصادي.
رغم الأخبار التي تُغذي بعض التفاؤل بعد سقوط النظام الحالي، فإن هذا التفاؤل يبدو هشًا وغير قابل للصمود؛ فالطلب على العملة المحلية يعتمد أساسًا على السوق السوداء التي تهيمن على سعر الصرف، بينما غياب القطاعات الإنتاجية يعمّق الأزمة.
زيادة الرواتب: خطوة محفوفة بالمخاطر
في ظل هذا الوضع الاقتصادي الهش، أعلنت الحكومة الجديدة نيتها زيادة رواتب موظفي القطاع الحكومي بنسبة 400%. قد يبدو هذا القرار جذابًا، لكنه في الواقع يحمل تداعيات خطيرة.
زيادة الرواتب دون زيادة مقابلة في الإنتاج المحلي ستؤدي إلى تضخم مفرط (Hyperinflation)، حيث سترتفع الأسعار بشكل كبير، ما يلتهم أي زيادة في الدخل. علاوة على ذلك، ستُضطر الحكومة لطباعة المزيد من النقود لتمويل هذه الزيادة، ما يؤدي إلى تدهور أكبر في قيمة العملة المحلية، وزيادة الضغط على سعر الصرف.
الشائعات وتضليل الرأي العام
في ظل الأزمة الحالية، ينتشر العديد من الشائعات بين السوريين، ما يزيد من حالة عدم اليقين الاقتصادي والسياسي.
على سبيل المثال، تداول البعض شائعة أن قطر قدمت دعمًا ماليًا بقيمة مليار دولار للبنك المركزي السوري، وهو أمر لم تؤكده أي مصادر رسمية قطرية. مثل هذه الشائعات تعكس غياب الوعي الاقتصادي، وتزيد من تعقيد المشهد، حيث يبني الناس آمالهم على معلومات غير صحيحة.
كما يعتقد البعض أن الحكومة الجديدة ستتمكن بسهولة من استعادة الأموال المسروقة من النظام السابق، وهو أمر مستبعد في ظل غياب حكومة معترف بها دوليًا، تلتزم بالقرار الأممي رقم 2254.
أما فكرة أن دول الخليج ستدعم الاقتصاد السوري، فهي أيضًا بعيدة عن الواقع، إذ إن تلك الدول لا تزال مترددة في التعامل مع الحكومة الجديدة، بسبب غياب الوضوح في سياساتها وأيديولوجيتها.
أهمية القرار الأممي 2254
يشكل القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي خارطة طريق أساسية لاستعادة الاستقرار السياسي والاقتصادي في سوريا. ينص القرار على تشكيل حكومة انتقالية تشاركية، وصياغة دستور جديد، وإجراء انتخابات حرة.
التزام الحكومة الجديدة بهذا القرار هو السبيل الوحيد للحصول على الاعتراف الدولي، الذي يعتبر شرطًا أساسيًا لرفع العقوبات الاقتصادية، واستقطاب الدعم الدولي لإعادة الإعمار. بدون هذا الالتزام، ستبقى سوريا غارقة في الفوضى والعزلة الدولية.
طريق الاستقرار الاقتصادي
الأزمة الاقتصادية في سوريا لن تُحل بالإجراءات المؤقتة أو بزيادة الرواتب غير المدروسة.. الحل يكمن في سياسات شاملة تتضمن تعزيز الإنتاج المحلي، ومكافحة التضخم، والالتزام بخارطة الطريق الدولية وفق القرار 2254. كذلك، يجب على الحكومة الجديدة مواجهة الشائعات بنشر الحقائق، وبناء الثقة بين الشعب والمؤسسات.
فقط عبر العمل الجاد والشفاف يمكن لسوريا أن تستعيد عافيتها الاقتصادية والسياسية، ما ينعكس إيجابيًا على حياة الشعب ومستقبله.