تحظى إفريقيا باهتمام خاص في ضوء خطة الهند للمبيعات العسكرية على مستوى العالم. وإدراكًا من نيودلهي للأهمية الإستراتيجية لإفريقيا؛ أنشأت آلية مؤسسية في شكل الحوار الدفاعي الهندي الإفريقي، وأجرت تدريبات عسكرية مشتركة مع كثير من البلدان الإفريقية. وبالتوازي مع سعي الهند إلى اكتساب موطئ قدم في إفريقيا، ترسم المملكة المغربية مسارًا لتطوير مجمعها الصناعي العسكري، وأنشأت الرباط منطقتين للصناعة العسكرية لإنتاج المعدات العسكرية وتطويرها لدعم الدفاع الوطني. وستركز هذه المناطق على جذب الاستثمارات الأجنبية لتطوير القدرات المحلية لتصنيع الأسلحة والذخائر. ولهذا الغرض، رفع المغرب ميزانية الدفاع إلى (12.2) مليار دولار للسنة المالية 2024.
عام 1957، أقامت المغرب والهند علاقات دبلوماسية رسمية، وكان مؤتمر رؤساء دول وحكومات بلدان عدم الانحياز الذي عقد في بلغراد، بيوغوسلافيا، في سبتمبر (أيلول) 1961، إحدى أهم المحطات في العلاقات بين المغرب والهند. كان هذا المؤتمر، وهو القمة الأولى لحركة عدم الانحياز، حدثًا تاريخيًّا جمع زعماء من مختلف دول عدم الانحياز. وقد أتاح الفرصة للملك الحسن الثاني ملك المغرب ورئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو للقاء.
استمرت العلاقات المغربية- الهندية بدون تطور ثنائي لافت، لكن عام 1991 كان نقطة تحول في السياسة الخارجية الهندية بسبب أزمة ميزان المدفوعات في ذلك الوقت، التي نجمت جزئيًّا عن انهيار الاتحاد السوفيتي، الذي كان آنذاك الشريك التجاري الأكثر أهمية لنيودلهي؛ لذا بدأ التركيز الإستراتيجي للهند يتحول نحو التوسع الواسع للعلاقات الاقتصادية والاستثمار الأجنبي المباشر في مختلف أنحاء منطقة شمال إفريقيا، وقد صيغ هذا التوجه الاستراتيجي بوصفه أولوية دبلوماسية؛ نظرًا إلى الأهمية الإستراتيجية لشمال إفريقيا بوصفها بوابة إلى كل من أوروبا والقارة الإفريقية الأوسع.
قام الملك محمد السادس بأول زيارة رسمية له إلى الهند عام 2001، وقد شكلت هذه الزيارة لحظة مهمة، أظهرت طموحات المغرب لتعزيز العلاقات الثنائية مع الهند. ومع ذلك، لم تُعزَّز هذه العلاقات على نحو كبير حتى عام 2015، وقد حدث هذا خلال اجتماع محوري بين الملك محمد السادس ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. سمحت هذه الزيارة برفع العلاقات الهندية المغربية من مرحلة التعاون إلى مرحلة الشراكة الإستراتيجية، كما أُضفِيَ الطابع الرسمي على الشراكة الإستراتيجية مع المغرب خلال العام نفسه الذي عُقدت فيه القمة الهندية الإفريقية الثالثة في نيودلهي، وقبل ثلاث سنوات من خطاب رئيس الوزراء الهندي مودي في العاصمة الأوغندية كمبالا عام 2018 بشأن التعاون بين البلدان النامية.
وقد اعتبر هذان الحدثان السابقان التعاون بين بلدان الجنوب نموذجًا مهيمنًا في السياسة الإفريقية الهندية، ولا سيما اجتماع عام 2018؛ إذ تطورت الشراكة بين الهند والمغرب إلى تحالف استراتيجي، وقد تأكد هذا التحول من خلال توقيع كثير من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم عبر مجموعة متنوعة من القطاعات. وتشمل مجالات التعاون الرئيسة مكافحة الإرهاب، والأمن السيبراني، والزراعة، والتدريب المهني، والدفاع.
اعتمد المغرب -تقليديًّا- على الولايات المتحدة موردًا رئيسًا للأسلحة، مع صفقات كبرى تشمل دبابات “أبرامز”، وطائرات مقاتلة من طراز “F-16″، ومروحيات “أباتشي”. كما عمّق علاقاته مع إسرائيل، وحصل على أسلحة متقدمة، مثل طائرات بدون طيار، وقمر صناعي للتجسس بقيمة مليار دولار أمريكي للمراقبة. وفي الوقت نفسه، برزت الصين شريكًا مهمًّا، حيث قدمت أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ المنتشرة بالقرب من الجزائر لتحصين الحدود الشرقية للمغرب ضد جبهة البوليساريو.
مؤخرًا، أعلنت شركة تاتا الهندية للأنظمة المتقدمة أنها ستبني مصنعًا للمركبات القتالية بالقرب من الدار البيضاء، وهو تحول ملحوظ في السياسة الخارجية الهندية. حتى عام 2000 كانت نيودلهي مؤيدة لجبهة البوليساريو، واعترفت رسميًّا بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، لكن هذا الموقف تغير بعد تحول المغرب إلى مورد موثوق به لأسمدة الفوسفات الصخري لنيودلهي التي تحتل المرتبة الأولى كأكبر مشترٍ، وبلغ حجم التجارة الثنائية بين الهند والمغرب نحو (4.1) مليار دولار في عام 2023.
وسيُصنِّع المصنع الجديد لتاتا الهندية ما يصل إلى (100) مركبة قتالية برية من طراز (WhAP 8×8) سنويًّا. ومن بين هذه المركبات، ستُخصَّص (150) وحدة للقوات المسلحة المغربية، في حين ستُخصَّص وحدات أخرى لأسواق التصدير. ومن المتوقع أن يوفر المصنع (90) وظيفة مباشرة، و(250) وظيفة غير مباشرة. والجدير بالذكر أن هذا يمثل أيضًا أول مصنع كبير لتصنيع المعدات الدفاعية في المغرب.
إن خطة المغرب لتطوير صناعته العسكرية تشكل فرصة للهند لتعزيز علاقاتها مع الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، وبالفعل تتخذ الدولتان خطوات لتعزيز تعاونهما الدفاعي؛ ففي عام 2023، اشترى المغرب (92) شاحنة عسكرية ذات ست عجلات من طراز “LPTA 244” من الهند، تصنعها شركة تاتا الهندية المصنعة للمعدات الدفاعية، ويمكن استخدام هذه الشاحنات في تطبيقات عسكرية مختلفة.
عام 2018، تم توقيع مذكرات تفاهم متعددة بين نيودلهي والرباط لتوسيع التعاون الدفاعي بين البلدين. وتشمل المجالات التي تم توقيع مذكرات التفاهم فيها المسح البحري، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومكافحة الإرهاب، ومكافحة التمرد، والاستخدام السلمي للفضاء الخارجي، والأمن السيبراني، والآن استكشاف تصدير أو تصنيع مشترك للمعدات والعتاد العسكري. وفي السنوات القليلة الماضية، إلى جانب التركيز على الإنتاج الدفاعي المحلي، عززت الهند صادراتها الدفاعية، وتصدّر أكثر من (100) شركة هندية منتجات دفاعية إلى (85) دولة، مثل معدات الحماية الشخصية، والصواريخ، والمركبات المدرعة، وسفن الدوريات البحرية، والرادارات، وأنظمة المراقبة، والذخيرة، والمدافع المتقدمة.
إقرأ أيضا : حول مسألة الحكم في غزة.. ماذا سيحدث؟
وبالرغم مِن هذا، تحاول الهند أن تستفيد من مشروع المغرب، حيث يريد المغرب أن يصبح رائدًا في تصنيع الطائرات بدون طيار في شمال إفريقيا. ومن المقرر أن تطور الرباط -بالتعاون مع شركة “BlueBird Aero Systems” الإسرائيلية- منشأة لتصنيع الطائرات بدون طيار في المغرب، ولا تزال صناعة الطائرات بدون طيار في الهند في مرحلة ناشئة. ومن المتوقع أن تنمو صناعة الطائرات بدون طيار الهندية من (654) مليون دولار إلى (1.44) مليار دولار حتى عام 2029؛ لذا يمثل المغرب وجهة مواتية لتطوير صناعة الطائرات بدون طيار الهندية.
اليوم، تحاول الهند أن تكون شريكًا إستراتيجيًّا لتعزيز المشاركة الاقتصادية والدفاعية مع إفريقيا. تؤكد مبادرات مثل الحوار الدفاعي الهندي الإفريقي، والتدريبات العسكرية المشتركة مع الدول الإفريقية، طموح نيودلهي لتوسيع وجودها في القارة. وتمثل مشاركة المغرب في النسخة الثانية من المناورات العسكرية المشتركة بين إفريقيا والهند (AFINDEX 2023) في بوني مثالًا على تطور العلاقات بين البلدين.
بالإضافة إلى ذلك، منذ عام 2021، ينظم المغرب سنويًّا مناورات بحرية مع البحرية الهندية بالقرب من الدار البيضاء؛ بهدف مكافحة الاتجار بالمخدرات، والقرصنة البحرية. وتؤكد هذه المبادرات الهدف المشترك لكلا البلدين لمعالجة التحديات الأمنية المشتركة، وضمان الاستقرار الإقليمي. وفي وقت سابق من هذا العام، زارت سفينة بحرية هندية ميناء الدار البيضاء؛ مما يؤكد تعزيز العلاقات الدفاعية.
كما أن إطلاق مشروعات ثُنائية هندية- مغربية لتعميق التعاون العسكري من شأنه أن يعزز الشراكة الإستراتيجية بين المغرب والهند، ويشكل تعيين المغرب ملحقين عسكريين في سفارتها في نيودلهي خطوة مهمة في تسريع هذه العملية، وتسهيل الاتصال والتعاون بين القوات المسلحة للبلدين؛ ومن ثم تعزيز الفعالية الشاملة لشراكتهما الدفاعية.