بتولي العماد جوزيف عون رئاسة لبنان، طوى اللبنانيون بذلك صفحة أزمة سياسية دامت عامين، ليدخل لبنان بالتالي مرحلة جديدة بولادة الجمهورية الثالثة في ظل تحولات كبرى وضعت المنطقة على مسار جديد.
لا شك أن زلزال الشرق الأوسط أوصل قائد الجيش اللبناني جوزيف عون إلى قصر بعبدا، فلبنان كغيره من دول المنطقة أصابه شظى الزلزال السياسي الذي غير وجه المنطقة والذي تصدعت فيه خارطة التحالفات وسقطت معها أنظمة أخرى ليعيد رسم تشكيل ملامح المنطقة العربية التي تقع على تقاطع صفيح ساخن.
بانتخاب قائد الجيش جوزيف عون الرئيس الـ 14 للجمهورية اللبنانية، وخامس قائد جيش يصل إلى كرسي الرئاسة في ظل تغيرات بالداخل اللبناني أهمها تراجع ظل “الإيراني” عن المشهد السياسي في لبنان، وتحجيم نفوذ “الحزب” الذي أصبح في وضع أكثر ضعفا من أي وقت مضى مع خسائره الثقيلة بسقوط القائد هناك.
الجمهورية الثالثة.. ونهاية مغامرة طهران
يواجه الرئيس اللبناني الجديد على طاولة أجنداته أزمات وملفات معقدة رغم الدعم العربي والدولي ليلتقط لبنان أنفاسه من الانهيار المالي الذي يعد من أسوأ الأزمات في العصر الحديث وفقًا للبنك الدولي عبر وضع ضع خطة لإعادة رسملة البنوك وإدارة الديون السيادية التي تجاوزت 90 مليار دولار، ومعالجة الانقسامات السياسية العميقة تعرضت لها البلاد منذ عام 2019.
خطاب العماد جوزيف عون رسم ملامح منعطف لبنان السياسي الجديد والذي أعلن فيه عن انتهاء الجمهورية الثانية وانتهاء ما يعرف بالوصاية السورية والإيرانية، تضع لبنان أمام ولادة جديدة لجمهورية ثالثة وهو ما شدد عليه الرئيس عون في خطابه الأوّل عبر التأكيد على “احتكار الدولة للسلاح” كخريطة طريق للبنان الجديد في غياب هيمنة ضابط الإيقاع الإيراني في الساحة اللبنانية، بعد خسارته ورقته الرابحة “حزب الله” في لبنان.
بعد أن قتلت إسرائيل قياداته العسكرية والرمزية بما في ذلك حسن نصر الله، وفككت هيكلية الاتصالات والقيادة، وأجبر على قبول تنفيذ القرار 1701 والانسحاب وراء نهر الليطاني، وقطع إمداد السلاح، ومنع تصنيع الصواريخ.
إقرأ أيضا : بعد إنتخاب جوزيف عون ..هل خرج لبنان من عنق الزجاجة ؟
فبانتخاب العسكري الذي قادته “التوافق” إلى القصر، يمثل نقطة تحول كبرى بميزان القوى بالمنطقة وإعادة لبنان إلى وضعه الطبيعي كدولة ذات سيادة، من جهة، وإعادة صياغة العلاقة بين الدولة اللبنانية و”الحزب” الذي يهيمن على القرار السياسي بلبنان بدعم مباشر من طهران.
غير أن “تطورات 7 أكتوبر” أضعفت النفوذ الإيراني وأنهت مغامرة طهران في لبنان وبعدها في سوريا مما عزز تسلل الدول الغربية والعربية للعب أدوار أكبر للتأثير في المشهد اللبناني الجديد.
الوصاية على لبنان
فلبنان ذلك البلد الصغير كان ولا يزال محل اهتمام قوى إقليمية ودولية، ولهذا أتى انتخاب عون بدفع من رياح خارجية مدعمة بحشود دبلوماسية أمريكية فرنسية سعودية لإنهاء الفراغ السياسي بلبنان وصوغ عقد سياسي جديد بهذا البلد.
فباريس، تسعى للحفاظ على نفوذها التاريخي في لبنان، في المقابل تعول واشنطن على دعم استقرار لبنان ضمن استراتيجيتها الإقليمية التي تركز أولا على أمن إسرائيل.
من جهة أخرى، تظهر دول الخليج، مثل السعودية كلاعب إقليمي رئيسي بعد انحسار النفوذ الإيراني وتلاشي هيمنته عن القرار السيادي بلبنان، غير أن هذا الدعم لن يكون مجانيا بل يشترط ضمانات بعدم استخدام لبنان كمنصة ضد الدول العربية.
فوصول عون لقصر بعبدا تتطلب توافقا داخليا ودعما دوليا تزامن مع “الحدث السوري” الذي دفع برياح التغيير بلبنان ليخرجه “قسرا” من مأساته المزمنة.