في عالم فقد توازنه الإنساني، وأصبح فيه الحق بلا صوت، تطفو غزة على سطح الألم كصورةٍ ناطقة لقسوة غير مسبوقة.. قطاع غزة اليوم لا يواجه فقط القتل والدمار الذي تقوده آلة الحرب الإسرائيلية، بل يواجه أزمة وجودية أشد مرارة: الموت بلا كفن!. في هذا الواقع المأساوي، تغيب الإنسانية تمامًا عن مشهد يختزل فشل العالم وتواطؤه مع القتلة.
الكفن المفقود: مأساة تتجاوز الحدود
في غزة، الموت لم يعد مجرد خاتمة طبيعية للحياة؛ أصبح امتحانًا لكل القيم الإنسانية.. الجثث التي تُلقى دون أكفان، الأشلاء التي تُوارى تحت الركام، والصراخ الذي لا يجد صداه إلا في قلوب الثكالى، كل ذلك يضعنا أمام سؤال وجودي: كيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟ كيف صار الكفن حلمًا بعيد المنال؟
إن صمت المجتمع الدولي تجاه ما يحدث في غزة ليس مجرد عجز، بل هو تواطؤ مكتمل الأركان. المنظمات الدولية، التي أُنشئت لحماية الحقوق ومراقبة العدالة، أصبحت شاهدة صامتة على جرائم تُبث أمام العالم بأسره!
إن مشهد الأب الذي يحمل بقايا طفله، والأم التي تحتضن جسدًا بلا معالم، يفضح زيف الشعارات الدولية عن حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية. الكفن الذي يُعتبر حقًّا بديهيًّا في أبسط المجتمعات، أصبح ترفًا لا يملكه أهل غزة، في ظل حصار خانق ومجازر متواصلة.
اقرأ أيضا.. السلطة الوطنية الفلسطينية: حق مشروع في مواجهة التضليل وحماية الوحدة الوطنية
التوحش الإسرائيلي واستغلال الفراغ الدولي
لم يكن لهذا التوحش الإسرائيلي أن يتمادى لولا وجود بيئة دولية هشة ومفككة، تتيح لتجار الموت مواصلة جرائمهم. العالم اليوم، الذي يشغل نفسه بصراعات القوى الكبرى والتحولات الجيوسياسية، ترك غزة وحدها تواجه آلة القتل.
الولايات المتحدة، التي لطالما قدمت نفسها كوصية على النظام العالمي، غارقة في شكوكها الوجودية، مع تراجع هيمنتها أمام صعود الصين وتعدد الأقطاب. هذا الضعف فتح الباب أمام إسرائيل لتتمادى في جرائمها، مطمئنة إلى أن لا عقاب سيأتي من أي جهة.
في المقابل، أوروبا – التي لطالما تبنت شعارات الدفاع عن الإنسانية – تقف عاجزة أمام اتخاذ موقف حقيقي ضد هذا التوحش؛ مشغولة بمشاكلها الداخلية وبأمنها الطاقي. وفي ظل هذا الفراغ الدولي، تواصل إسرائيل انتهاكاتها، غير آبهة بأي قانون دولي أو أخلاقي.
تواطؤ الصمت العالمي
إن صمت المجتمع الدولي تجاه ما يحدث في غزة ليس مجرد عجز، بل هو تواطؤ مكتمل الأركان. المنظمات الدولية، التي أُنشئت لحماية الحقوق ومراقبة العدالة، أصبحت شاهدة صامتة على جرائم تُبث أمام العالم بأسره!. كيف يمكن تفسير هذا الصمت غير المبرر؟ هل صار الضمير العالمي معطوبًا إلى هذه الدرجة؟
لا يمكن لأحد أن ينكر أن ما يحدث في غزة يمثل جرحًا مفتوحًا في قلب الإنسانية.. أن يُحرم طفل من حقه في الحياة، وأن يُدفن بلا كفن، هو وصمة عار تلاحق العالم كله. الصمت الدولي يُشرعن القتل، ويمنح الاحتلال ضوءًا أخضرَ للاستمرار.
إن فقدان الكفن في غزة ليس مجرد مشكلة لوجيستية أو تفصيلًا عابرًا في سياق الحرب، بل هو شهادة على انهيار القيم الإنسانية التي ظللنا نتغنى بها لعقود.. الكفن المفقود هو صرخة تدعو الضمير العالمي إلى الاستيقاظ والتحرك
غزة: صمود رغم الألم
وسط هذا الألم الكبير، تظلّ غزة رمزًا للصمود الإنساني!. على الرغم من قسوة الحصار، وضيق الخيارات، وإجرام المحتل، فإن شعب غزة لا يزال يقاوم، بل يُعلّم العالم معنى الحياة وسط الموت. إن صمود هذا الشعب ليس مجرد فعل عابر، بل هو رسالة لكل أحرار العالم: أن الحق لا يموت حتى وإن تخلى عنه الجميع.
متى يتحرك العالم؟
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ماذا ينتظر العالم لكي يتحرك؟ هل يحتاج إلى مزيد من المجازر والدمار؟ إلى مشاهد أشد قسوة من الجثث الملقاة بلا أكفان؟ إن هذا التخاذل الدولي هو الذي يدفع الاحتلال إلى التمادي، وهو الذي يضع الإنسانية أمام اختبار صعب ستفشل فيه إن لم تتحرك الآن.
على الشعوب الحرة أن تدرك أن الصمت في وجه هذه الجرائم هو خيانة للإنسانية؛ إننا لا نتحدث عن قضية سياسية أو صراع حدود، بل عن مأساة إنسانية تُرتكب أمام أعين العالم.
ختامًا: الكفن شاهد على سقوط الضمير
إن فقدان الكفن في غزة ليس مجرد مشكلة لوجيستية أو تفصيلًا عابرًا في سياق الحرب، بل هو شهادة على انهيار القيم الإنسانية التي ظللنا نتغنى بها لعقود.. الكفن المفقود هو صرخة تدعو الضمير العالمي إلى الاستيقاظ والتحرك.
في زمن أصبحت فيه القيم مجرد شعارات، يبقى على كل حر في هذا العالم أن يختار: إما أن يكون شاهدًا صامتًا على المجازر، أو أن يكون صوتًا للحق وللمظلومين.
غزة لا تحتاج إلى تعاطفٍ عابر، بل إلى وقفة صادقة تُعيد للإنسانية كرامتها المسلوبة.