بمفارقة غير متوقعة، شهدت عمليات ترحيل المهاجرين في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن زيادة ملحوظة، حيث أصدرت هيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأمريكية تقريرًا يشير إلى ترحيل أكثر من 271 ألف شخص في عام واحد، وهو أعلى رقم منذ حوالي 10 سنوات بالولايات المتحدة.
ورغم الانتقادات السابقة التي وجهتها إدارة بايدن لسياسات سلفه دونالد ترامب المتعلقة بالهجرة، اتبعت سياسات مشابهة في بعض الجوانب، وعادة ما تتأثر سياسات الهجرة في الولايات المتحدة بالتغيرات السياسية والإدارية، وهو ما يؤدي إلى تباين في التعامل مع قضايا اللاجئين والمهاجرين بين إدارة وأخرى.
وفي فبراير 2024، وقع بايدن أمرًا يحمي الفلسطينيين في الولايات المتحدة من الترحيل لمدة 18 شهرًا، نظرًا لتدهور الأوضاع الإنسانية في غزة، غير أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب يعتزم تنفيذ خطط لترحيل أعداد كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين، بما في ذلك إلغاء برامج سمحت لأكثر من 1.3 مليون مهاجر بدخول الولايات المتحدة بشكل قانوني.
أزمة اللاجئين في الولايات المتحدة
وتتسم أزمة اللاجئين في الولايات المتحدة الأمريكية بالتعقيد وتتشابك فيها عوامل سياسية وإنسانية واقتصادية، لا سيما في ظل التدفق المتزايد في أعداد اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، خصوصًا من دول أمريكا اللاتينية مثل فنزويلا وغواتيمالا، بالإضافة إلى مناطق أخرى كأفغانستان وأوكرانيا.
وواجهت إدارة جو بايدن انتقادات لتطبيقها بعض سياسات إدارة ترامب السابقة، مثل فصل العائلات أحيانًا، أو فرض قيود على طلبات اللجوء، خاصة أن الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه يدعو لسياسات إنسانية تراعي القوانين الدولية، مقابل انتقادات الحزب الجمهوري الذي ينتقد فتح الحدود على مصراعيها.
ويعاني اللاجئون والمهاجرون غير الشرعيين في الولايات المتحدة من ازدحام مراكز الاحتجاز على الحدود الجنوبية، وسوء الأوضاع الصحية والغذائية، إذ تعاني برامج توطين اللاجئين من نقص في التمويل والموارد، إلى جانب تأخير في البت بطلبات اللجوء؛ حيث تستغرق بعض القضايا سنوات طويلة.
وخلال مرحلة التنافس في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024، بين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية كامالا هاريس، احتلت قضية الهجرة واللجوء صدارة اهتمامات المتنافسين، إذ يتخذ الأول موقفا أكثر صرامة وحزما مع قضايا الهجرة، فيما ترتكز الثانية على ملاحقة العصابات العابرة للحدود والمتاجرين بالبشر.
وخلال الولاية الرئاسية لترامب (2017-2021) انتقدت منظمة العفو الدولية (غير حكومية، مقرها لندن) ما سمته بـ”ممارسات مسيئة نفذتها واشنطن على حدود الولايات المتحدة مع المكسيك، من خلال المعاملة العنيفة للاجئين وكأنهم مجرمون، والقيود المشددة التي فرضت على فرص النساء في الحصول على الرعاية الصحية الإنجابية وغيرها”.
وأزمة اللاجئين في الولايات المتحدة تعكس جدلية كبرى بين الالتزام بالقيم الإنسانية وبين الضغوط السياسية والأمنية، الأمر الذي يتطلب بالضرورة توازنًا بين حماية الحدود واحترام حقوق الإنسان وإيجاد حلول طويلة الأمد لقضايا الهجرة الدولية.
تأييد شعبي لمسار الترحيل
بدوره قال أستاذ العلاقات الدولية والمتخصص في الشؤون الأمريكية، الدكتور سعيد صادق، إن تلك الأرقام التي كشفتها هيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأمريكية تعكس مفارقة كبيرة، فينما كانت كامالا هاريس تبذل مجهودا أظهرته تلك الإحصائيات لم تستطع تسويق نفسها انتخابيا، وكانت انتقادات وهجوم ترامب الأعلى صوتا وانتشارا والأقوى تأثيرا على جماهير الناخبين في الولايات المتحدة.
وأوضح صادق في تصريح لـ”جسور بوست” أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية بالأساس تقوم معظم معاركها على ملف الهجرة واللجوء، وكان لترامب في ولايته الأولى مواقف معادية للمهاجرين، غير أن كامالا هاريس نائبة بايدن لم تحسن عرض إنجازاتها بالشكل المطلوب فيما يتعلق بملف الهجرة بسبب الإعلام اليميني الذي هاجمها وكذلك ترامب نفسه تحدث بشكل غير متوقع أن المهاجرين غير الشرعيين يأكلون القطط والكلاب في إطار معركته الإعلامية.
وأضاف: “الأرقام المطروحة بترحيل أكثر من 271 ألف شخص في عام واحد من إدارة بايدن، تنتظر الفترة المقبلة أن تشهد ارتفاعا كبيرا كما تعهد ترامب خلال حملته الانتخابية، الأمر الذي ينذر بتصاعد أزمة ملف الهجرة والذي ينتظر أموالا ضخمة وأعدادا أقرب لجيش كامل لمحاولة السيطرة عليه”.
وأعرب صادق عن مخاوفه من حدوث أزمات حقوقية حال محاولة تنفيذ تعهدات ترامب تجاه المهاجرين غير الشرعيين، مؤكدا أن هذا الملف سيكون حاضرا بقوة في 2025، وقد نرى تطبيقا تدريجيا وليس حاسما في تنفيذه خاصة أن أمريكا بلد هجرة كما هو معروف بعيدا عن أي مناكفات سياسية أو انتخابية.
ومن جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، وعضو الحزب الجمهوري الأمريكي الدكتور نبيل ميخائيل، أن تعهدات ترامب بترحيل المهاجرين غير الشرعيين من الولايات المتحدة لم تكن مزايدات أو مناكفات أو تمهيدا لنجاحه في السباق الرئاسي ضد كامالا هاريس، بل تعبيرا عن اعتقاد راسخ لديه بأن الهجرة غير الشرعية تدمر بلاده.
خطة ترامب ضد المهاجرين
وأوضح ميخائيل في تصريح لـ”جسور بوست” أن الإحصائيات تشير لارتفاع كبير في عدد من يتم ترحيلهم سنويا، لكنها كذلك من أيام الرئيس الأسبق باراك أوباما وأثناء فترة ترامب الأولى وأثناء السنوات الأربع لولاية الرئيس الحالي جو بايدن.
وأكد أن “ترامب لا يزال يقول إن ملف المهاجرين غير الشرعيين قضية خطيرة تهدد التماسك الاجتماعي في الولايات المتحدة وتحدث أضرارا بالغة بالاقتصاد الأمريكي”، متوقعا أن تزداد أعداد من يتم ترحيلهم بنسب كبيرة جدا عندما يبدأ ترامب ولايته الرئاسية المقبلة (2025-2029)، مقارنة بما كان عليه الحال في الأعوام الماضية.
وبخلاف ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، قال ميخائيل: “سيتخذ ترامب خطوات لبناء الحائط بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك على حدود أمريكا الجنوبية للحد من الهجرة غير الشرعية من الأساس، بجانب أن خططه تتضمن تعاونا كبيرا مع الحكومات المحلية خاصة بولاية تكساس، حيث سيتم تخصيص مبانٍ ومساحات شائعة لتكون مقرا مؤقتا لمن سيتم ترحيله بصفة مؤقتة وإبعاده”.
وشدد على أن خطة ترامب ضد المهاجرين غير الشرعيين ستبدأ من اليوم الأول لرئاسته ولم تكن مزايدات وسوف تزيد من شعبيته خاصة وهو يربطها بالاقتصاد الأمريكي، ويشير إلى أن هؤلاء يأخذون من وظائف المواطنين ما سيجذب عددا كبيرا من المؤيدين من مختلف الأعراق لمساره، إلى جانب أن قيام بعض المهاجرين بارتكاب أعمال عنف سوف يعزز السير قدما في هذا المسار.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، وعضو الحزب الجمهوري الأمريكي أن تقديرات المهاجرين غير الشرعيين التي بين 10 و15 مليونا لها تأثيرات كبيرة على الاقتصاد، ولذلك فإن تحركات ترامب في هذا الملف كان مرحبا بها ولم تكن من باب المناكفات أو المزايدات لتحقيق مكاسب انتخابية.
وتشير التقديرات الحديثة إلى أن عدد المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة يتراوح بين 10.5 مليون و11.7 مليون شخص، وفق تقديرات مركز بيو للأبحاث، والجدير بالذكر أن هذه التقديرات لا تشمل الأعداد الكبيرة من المهاجرين الذين يتم توقيفهم وترحيلهم على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، حيث شهدت هذه الأعداد زيادة ملحوظة منذ مارس 2021، لتصل إلى مستويات تاريخية.