مع استمرار الأزمة السياسية والعسكرية في سوريا، وبعد أكثر من عقد من الحرب والدمار في البلاد، يظل السؤال الأهم: ماذا بعد بشار الأسد؟ أستكون سوريا مثل تونس التي تمكنت من الانتقال إلى الديمقراطية بشكل سلس، أم مثل مصر التي شهدت الكثير من القتل وإراقة الدماء، أم ستكون مثل ليبيا التي انفجرت فيها الأوضاع الأمنية وتفككت الدولة؟. تفتح هذه الأسئلة بابًا واسعًا للتفكير في المستقبل السياسي والاجتماعي لسوريا بعد حكم الأسد.
إن إعادة البناء تتطلب تطهير الجيش من الولاءات الحزبية والطائفية، وتدريب أفراده على الالتزام بالقانون وحقوق الإنسان، كما ينبغي تعزيز الانتماء الوطني في صفوف الجيش لتفادي تكرار التجارب السابقة
دروس ثورات الربيع العربي
يجب على الشعب السوري أن يستفيد من دروس الثورات التي اجتاحت المنطقة.. فعلى سبيل المثال، كان الانتقال إلى الديمقراطية في تونس -نسبيًّا- سلميًّا، بينما تباينت النتائج في مصر وليبيا بشكل كبير.. ففي مصر، على الرغم من الإطاحة بهرم السلطة أدت الثورة إلى انقسامات داخلية وصراع طويل بين القوى السياسية المختلفة، ما أسفر عن الكثير من الضحايا. أما في ليبيا، فقد أسفر رحيل القذافي عن انفلات أمني وحروب أهلية أدت إلى تفكك الدولة.
هل سيعي السوريون دروس هذه الثورات؟ من المحتمل أن تكون الإجابة مرهونة بقدرتهم على تجاوز الانقسامات الطائفية والعرقية التي ساهمت الحرب في ترسيخها بشكل مباشر، وبالتالي فإن الانتقال إلى مرحلة ما بعد الأسد يتطلب توافقًا بين مختلف القوى السياسية والعسكرية، وهو ما سيكون تحديًا كبيرًا في ظل الأوضاع الحالية.
إعادة هيكلة الجيش السوري
إن أولى خطوات إعادة بناء سوريا بعد الأسد هي إعادة هيكلة الجيش السوري، ليكون جيشًا وطنيًّا مهنيًّا يحمي البلاد، لا أداة قمع بيد السلطة. يجب تحديد مهمة الجيش بوضوح كمؤسسة دفاعية لحماية الحدود والسيادة الوطنية، مع فصلها عن السياسة وإخضاعها للرقابة المدنية والدستورية.
اقرأ أيضا.. سوريا وتحدّيات ما بعد بشار الأسد
إن إعادة البناء تتطلب تطهير الجيش من الولاءات الحزبية والطائفية، وتدريب أفراده على الالتزام بالقانون وحقوق الإنسان، كما ينبغي تعزيز الانتماء الوطني في صفوف الجيش لتفادي تكرار التجارب السابقة، حيث كان الجيش أداة لترسيخ الحكم الاستبدادي.
سوريا ما بعد بشار الأسد ستكون بالتأكيد دولة في حالة إعادة البناء، مع تحديات ضخمة في المجالات السياسية والاجتماعية والأمنية، ويمكن القول إن الانتقال إلى الديمقراطية هو أمر ممكن ولكنه صعب
السيناريوهات المحتملة
هناك عدة سيناريوهات محتملة لسوريا ما بعد الأسد، أولها أن تتحول البلاد إلى دولة ديمقراطية، وهذا الأمر يحتاج إلى مؤسسات قوية وإرادة سياسية حقيقية لضمان العدالة والمساواة بين المواطنين. ثانيها، إذا ظل الصراع مستمرا فمن الممكن أن تصبح سوريا مثل العراق، حيث الطائفية والتدخلات الأجنبية، وقد يؤدي ذلك إلى غياب الأمن والخدمات الأساسية. السيناريو الثالث هو ظهور طاغية جديد باسم الديمقراطية، يستغل حالة الفوضى وطيبة الشعب لترسيخ قدمه، وبالتالي فإن هذا السيناريو يثير تساؤلات حول قدرة السوريين على بناء دولة مدنية حقيقية، تحترم حقوق الإنسان وتعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية.
مستقبل علاقات سوريا الخارجية
إن مستقبل علاقة سوريا مع العالم الخارجي سيعتمد على توازن القوى والضغوط الدولية؛ فقد تتغير العلاقة مع إسرائيل والولايات المتحدة بناءً على طبيعة النظام الجديد.. إذا نشأ نظام ديمقراطي، قد تُفتح أبواب الحوار مع واشنطن لتعزيز الاستقرار، بينما ستظل العلاقة مع إسرائيل معقدة، متأثرة بقضية الجولان والسلام الإقليمي، ومن المرجح برود العلاقة مع دول الجوار مثل الأردن ولبنان، ولن تكون العلاقة مع روسيا أو إيران مطروحة للنقاش على الأمد القريب، ومرد ذلك أن هاتين الدولتين كانتا السبب الرئيسي في إطالة مدة الأسد، وتقتيل الشعب السوري، وتدمير بنيته التحتية.
إن سوريا ما بعد بشار الأسد ستكون بالتأكيد دولة في حالة إعادة البناء، مع تحديات ضخمة في المجالات السياسية والاجتماعية والأمنية، ويمكن القول إن الانتقال إلى الديمقراطية هو أمر ممكن ولكنه صعب، وربما يكون مصير سوريا مشابهًا لما حدث في بعض الدول العربية التي شهدت ثورات، لكن الأمل يبقى في أن يستفيد السوريون من الدروس السابقة، ويعملوا على بناء دولة قوية تقوم على العدالة والمساواة، وتجنب الفوضى الطائفية.