يتوهم نتنياهو أنه مقبل على شرق أوسط جديد، فهو محق كما قال: «لقد غيرنا الشرق الأوسط بالفعل، فسوريا لم تعد كما كانت، ولبنان لم يعد كما كان، وغزة لم تعد كما كانت، وإيران رأس المحور شعرت بوطأة قوتنا، ولهذا تحدثت مع ترامب».
ما قاله نتنياهو صحيح أنه حقق إنجازات عسكرية، بسبب تفوق قدرات المستعمرة العسكرية، وهذا يعود إلى دعم الولايات المتحدة السخي للمستعمرة مالياً وعسكرياً وتكنولوجياً واستخبارياً، ولكن هل الشرق الأوسط الجديد بهيمنة المستعمرة وفرض هيمنتها واستمرار توسعها كما تفعل في سوريا ولبنان، وكذلك في الضفة الفلسطينية، هل هو قدر لا فكاك منه، لا أمل مرتجى، لإحباطه، بل وتغييره، إذا لم أقل وهزيمته.
لقد تمكنت المستعمرة من المس بقدرات المقاومة الفلسطينية وحاضنتها الشعبية في قطاع غزة، وحزب الله اللبناني، ومن النظام السوري برمته، ولكنها لم تتمكن بعد من هزيمة الشعب العربي أو الشعوب العربية في فلسطين ولبنان وحتى في سوريا، امتداداً لكل شعوب العالم العربي المتحفزة والواثقة من مواقفها بالحفاظ على أمنها الوطني والقومي والديني والإنساني، وهذا ما ألحظه عندنا في الأردن، على امتداد محافظاته وبواديه وريفه ومدنه ومخيماته، على الرغم من معاهدة وادي عربة، إلا أن شعبنا بكل شرائحه وتقسيماته وتعدديته يقف معادياً رافضاً لمجمل المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، متمسكاً بحرية فلسطين مبدئياً، بدون مواربة أو تضليل أو استخفاف بقدرات المستعمرة، ولكنه يثق أن المتغيرات لن تبقى كما هي، والنهوض الوطني والقومي سيكون مقبلاً مهما تكالبت القوى المعادية ضد العرب.
اقرأ ايضا| غصات شامية وفلسطينية… فتوحات متخيّلة وأمنيات تنتظر الحصاد
المشكلة العويصة لا تكمن بقدرات المستعمرة وتفوقها، بل تكمن بداية بـ»المرض الفلسطيني» الذي يجتاح طرفي الشعب الفلسطيني في منطقتي 48 و67، وهو الانقسام:
الإنقسام بين القوى الفلسطينية في مناطق 48، بين الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة من طرف، والحركة الإسلامية من طرف آخر ويشمل باقي القوى السياسية باصطفافات مع هذا الطرف أو ذاك.
والانقسام بين فتح وحماس وحالة الاستئثار لديهما، وفشل كل الجهود والواسطات لإنهاء حالة الانقسام، وعدم التوصل إلى صيغة ائتلاف بينهما تجمعها في إطار منظمة التحرير، بمشاركة الجميع وعلى كل المستويات.
لذا إن مواجهة شرق أوسط نتنياهو يبدأ من فلسطين، فهو بدأ من فلسطين في غزة وتواصل مع لبنان الذي دفع ثمن انحيازه لفلسطين بشراكة الدم وتضحيات قيادات حزب الله الباهظة دعماً وشراكة لفلسطين في مواجهة العدو الواحد الوطني القومي الديني الإنساني.
مواجهة مشروع نتنياهو تبدأ من فلسطين التي تدفع ثمن انقساماتها وها هي جريمة جنين ومخيمها تقدم هدية مدفوعة الثمن الباهظ لصالح نتنياهو لإنجاح مشروعه الاستعماري التوسعي.
جريمة جنين ومخيمها تحتاج، تتطلب، بالضرورة طرفاً فلسطينياً ثالثاً، يقف في وجه الطرفين لعلهما يدركان جريمة ما يفعلاه بحق أنفسهما وبحق فلسطين.