في جولة إفريقية هي الأولى له، اختتم نائب رئيس الوزراء الروسي، وأحد أكثر الشخصيات التكنوقراطية قربًا من الكرملين والرئيس الروسي شخصيًّا، ألكسندر نوفاك، جولة إفريقية قادته إلى الدول التي شكلت مؤخرًا تحالفًا جديدًا أطلقت عليه “تحالف دول الساحل”؛ وهي مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وهي دول يقودها حاليًا رؤساء شباب، وأصحاب خلفيات عسكرية لا يُخفون امتعاضهم من المستعمر الغربي القديم، وخاصةً فرنسا، وتطلعهم إلى تعميق العلاقات مع القادم الجديد إلى منطقة الساحل؛ روسيا.
الاقتصاد.. الوجه الآخر لروسيا في إفريقيا
دائمًا ما ركزت التحليلات الغربية على أن لروسيا يدًا واحدة في إفريقيا؛ ألا وهي المساعدات العسكرية التي تقدمها للدول التي تطلب ذلك، وأنها تركت الملف الاقتصادي للعملاق الصيني، وهو تحليل وإن كان نظريًّا يعدّ صحيحًا، فإن موسكو أدركت -وإن متأخرًا- أن الأفارقة والقادة الشباب الجدد يدركون أن دولهم وإن كانت بحاجة ماسة إلى السلاح الروسي، فإنها في الوقت نفسه دول غنية بالمواد الأولية المهمة والضرورية للاقتصاد العالمي؛ ومن هنا ركز القادة الأفارقة، لا سيما قادة تحالف دول الساحل الجديد (مالي والنيجر وبوركينا فاسو)، خلال لقاءاتهم مع القيادة الروسية، على ضرورة الوجود الروسي في الحياة الاقتصادية لتلك الدول، وهنا نتذكر اللقاء الذي جمع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الانتقالي لبوركينا فاسو إبراهيم تراوري، الذي طلب فيه الأخير من روسيا بناء محطة نووية لتوليد الكهرباء، في رسالة واضحة على فهم القيادة الشابة الجديدة للمشكلات البنيوية التي تعانيها دولهم، والتي بالضرورة لا تحل عسكريًّا فقط؛ بل بحاجة إلى حلول تنموية واقتصادية من أجل تحسين مستوى الخدمات الاجتماعية؛ خدمةً لمصالحهم الوطنية .
ومن هنا أرادت موسكو إيفاد رجل الاقتصاد الذي يمتلك علاقات واسعة مع نخبة المال والأعمال في روسيا، في وفد رسمي ضمّ إلى جانبه عددًا من كبار رجال الأعمال من القطاع الخاص الروسي.
مالي
استهلّ نوفاك جولته بمالي؛ البلد الذي تولى له موسكو اهتمامًا كبيرًا؛ بسبب محوريّته في الجغرافيا السياسية لمنطقة الساحل، فالبلد الذي يزيد عدد سكانه على 24 مليون نسمة، وتزيد مساحته على مليون كيلومتر مربع، يكتسب أهمية كبيرة في الإستراتيجية الروسية في المنطقة، وتبدو موسكو -رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها- مُصرة على دعم نظام عاصمي غويتا، ودعم الدولة المالية الوطنية التي تحاول بسط سيطرتها على كل جغرافيتها، ويبدو أن الهدف من زيارة نوفاك هو زيادة التعاون في مجالات الطاقة والبنية التحتية والنقل والزراعة، وغيرها من المجالات الحيوية التي تريد موسكو من خلالها تدعيم دولة مالي، وإضفاء مزيد من الحيوية، وزيادة القدرة على الإنجاز في مرحلة انتقالية حساسة تمر بها.
الجدير بالذكر هنا هو اللقاء الذي جمع بين نوفاك والرئيس الانتقالي لمالي، عاصمي غويتا، والذي كان محل تغطية إعلامية واسعة في مالي.
إٌقرأ أيضا :هل ستستغل روسيا طرد فرنسا من تشاد للتموضع؟
بوركينا فاسو
خلال زيارته لبوركينا فاسو، كان في استقبال الوفد الروسي وفد حكومي رفيع المستوى بقيادة وزير الدولة لشؤون الدفاع والمحاربين القدامى، وعدد من الوزراء والمسؤولين، وركزت المباحثات بين الجانبين على تعميق التعاون في مجالات الأمن والتنمية والبنية التحتية، وخاصة التقدم في المشروع الأهم الذي تنوي روسيا إقامته في بوركينا فاسو، وهو بناء محطة نووية لتغطية احتياجات البلاد من الطاقة، في بلد لا تصل الكهرباء فيه إلى سوى ربع السكان.
النيجر
في الضلع الثالث لتحالف دول الساحل الجديد؛ النيجر، التقى ألكسندر نوفاك برئيس النيجر عبد الرحمن تياني، وتركزت المباحثات على تطوير العلاقات بين البلدين الصديقين، وتعزيز التعاون بينهما. وأشار البيان الصادر عن الحكومة الروسية إلى أهمية التعاون الذي يربط بين الدولتين، وإلى أهمية المشروعات التي تعكف عليها حاليًا الحكومة الروسية في النيجر، والتي تستهدف تحسين البنية التحتية، وتحسين الولوج إلى الكهرباء، وتطوير البنية التحتية للنقل، وغيرها من المجالات الحيوية.
الخاتمة
هناك رسائل محددة أرادت موسكو إرسالها إلى قادة دول الساحل، منها :
١– صلابة الموقف الروسي الداعم لهم
فرغم مشاغل موسكو الجيوسياسية الكبيرة، والتحديات التي تمر بها، خاصةً صراعها مع الغرب، والأزمة الأوكرانية كأحد تجلياته، فإنها تبدو مُصرة على توطيد وجودها في دول الساحل، ودعمها لقيام دول وطنية ترفع راية السيادة، وتستفيد من خيراتها الطبيعية الغنية.
٢– تنويع الدعم
استفادت القيادة الروسية الحالية من الأخطاء الجيوسياسية التي وقع فيها الاتحاد السوفيتي، حين قصر الدعم على الجانب العسكري للدول الإفريقية، وحركات التحرر الوطني، ومع تلاشي الحاجة إلى السلاح السوفيتي، انتهي تأثيره، وتضاءل؛ ومن هنا جاءت الإستراتيجية الجديدة لموسكو في تنويع الدعم لشركائها الأفارقة، فبالإضافة إلى الاتفاقيات العسكرية التي تربطها بالأنظمة الحاكمة هناك، فثمة توجه جديد إلى عقد اتفاقيات إضافية في مجالات الطاقة والنقل والبنية التحتية الحيوية، وغيرها؛ من أجل تعميق المصالح والعلاقات المتبادلة بينهما وتوطيدها.