نهاية عصر الفصائل الفلسطينية المسلحة في سوريا هو مطلب أساسي، بعد سنوات طويلة من العبث، وتحويل العنصر البشري الفلسطيني إلى مادة سياسية وأداة يتم استخدامها بذريعة تحرير فلسطين، كان آخرها عشرات القتلى من فلسطينيي سوريا الذين سقطوا إلى جانب حزب الله في الحرب الأخيرة في جنوب لبنان، ناهيك عن غيرهم من الميليشيا التي قاتلت في داخل سوريا إلى جانب النظام السابق ضمن الصراع الذي امتد لسنوات طويلة، وهو ما أحدث شرخاً مجتمعياً مهماً في بعض الأماكن السورية، خصوصاً من تلك الجماعات القديمة إضافة إلى التي أنشئت حديثاً مع بداية الأعمال العسكرية في داخل سوريا، وهي الفصائل التي اعتبرت أن تحرير فلسطين يبدأ من زج الفلسطينيين في الحرب داخل سوريا.
مؤكد، أن الفلسطينيين دفعوا ثمناً باهظاً في الحقبة الماضية وخسروا مخيمات وتجمعات عديدة، كان أهمها مخيم اليرموك الذي خرجت منه أكبر نسبة نزوح للفلسطينيين من سوريا، وهناك آلاف الضحايا والمفقودين وغير ذلك، والتي كان أبرز العلامات فيها هو السلاح الفلسطيني، والذي وضع المخيمات الفلسطينية في سوريا في مواجهات مسلحة فلسطينية _ فلسطينية في كثير من الأوقات، بالذات في مخيم اليرموك، بين تنظيمات حملت مسؤولية الدفاع عن النظام السوري السابق، وبين حركة حماس، في مخيمي اليرموك وخان الشيح لكن سرعان ما انقلبت المسألة بحسب تقلبات المصالح السياسية، لكي تتحول حركة حماس إلى عنصر باحث عن المصالحة مع نظام الأسد، ولو كلفها ذلك التخلي عن الفصائل التي أنشأتها، بما يعيد مشهد المخيم الفلسطيني الذي تحول ما بعد الخروج من بيروت عام 1982 إلى مستودع للإنتاج البشري بحسب المصالح السياسية للفصائل الفلسطينية المسلحة في دمشق وداعميها من النظام السابق والقوى اللبنانية التي بقيت تعمل خارج إطار الدولة اللبنانية، وذلك بحجة المقاومة ورفض العملية السياسية ومشروع السلام العربي برمته في المنطقة، وهو ما جعل مشهد السلاح الفلسطيني يبقى موجوداً في مخيمات في لبنان، ضمن المعادلة السياسية بين النظام السابق والمصالح التي يتم تشغيل هذه الفصائل فيها في لبنان.
اقرأ أيضا| التطبيع العربي الإسرائيلي.. ودوره في ضم الأراضي الفلسطينية
ما هو مطلوب من الفلسطينيين في سوريا ولبنان أن يكونوا تحت مظلة الدولة القادمة كرعايا مدنيين فلسطينيين، بعيدين عن الاصطفاف السياسي وراء الفصائل التي تاجرت في قضيتهم لسنوات الماضية، وذلك أمام التحولات السياسية في المنطقة، فليس مطلوباً الانجرار وراء مشاريع ومصالح خارجية لا تمت للفلسطينيين بأي صلة، والتي امتدت لعقود طويلة، ولم تساهم هذه المشاريع سوى بدعم الفصائل التي لم تقدم بدورها أي مساهمة لتغيير الوضع الإنساني المعقد في العديد من المخيمات، بمقدار ما كان الإنفاق يكون على هذه الفصائل ذاتها.
فالسلاح الفلسطيني في غزة، والاشتباك المباشر في الميدان لم ينتج عنه سوى كارثة إنسانية هائلة لم يشهد مثلها الفلسطينيون من قبل، وهي الكارثة التي لا تزال معالجتها في غاية التعقيد، ناهيك عن التبعات الإنسانية التي سوف تمتد لعقود طويلة، خصوصاً أمام حالات الإصابات العصية على الشفاء، والتي ستلازم أصحابها حتى نهاية مسيرتهم في الحياة.
فالسلاح في الساحة الفلسطينية أنتج كارثة غزة، والسلاح خارج الساحة الفلسطينية هو مجرد خدمات تقدم لجهات وأحزاب، على شاكلة سلاح الفصائل الفلسطينية في لبنان العامل إلى جوار منظمة حزب الله، وهو ما أعلنت عنه سابقاً حركة حماس كنوع من الإسناد لحزب الله، والذي قد يتحول مستقبلاً إلى حالة تستغل المزيد من الشباب الفلسطيني، ما يعني استمرار توظيف السلاح الفلسطيني من جديد كخدمات لا علاقة لها بمصالح الفلسطينيين.
الإشكالية اليوم أمام النخب الثقافية الفلسطينية في سوريا ولبنان، والتي عملت لسنوات طويلة تحت مظلة اللعبة السياسية وتحولاتها، والتي أنتجت مؤسسات إعلامية لهذه الفصائل، فهي تتحمل اليوم مسؤولية تاريخية أمام المستقبل، من إعادة توحيد المشهد الفلسطيني في الشتات بعيداً عن دائرة اللعبة السابقة، ما يتوجب إغلاق أبواب الدفاع عن الفصائل الفلسطينية المسلحة في لبنان ودمشق بحجة القضية الفلسطينية، وهي الفصائل التي كانت طوال العقود الماضية تعمل خارج القانون اللبناني، وتتحرك ذهاباً وإياباً وفق طرق خاصة بها، استمرت فيها خلال عشرات السنين من سحب البسطاء من الشباب الفلسطيني من مخيمات سوريا، للقتال تحت مظلة حزب الله وغيره.
فلسطينيو سوريا أمام مرحلة نهاية عصر الفصائل الفلسطينية المسلحة والبقاء تحت سقف الدولة الجديدة.