وأقصد بهذا العنوان أن لا تحقق الأطراف الإقليمية معظم مطالبها من خلال التخلي عن الشعب الفلسطيني أو من خلال تسويق الوهم أو بيع بضاعة فاسدة بحجة توازن القوى أو تغير المنطقة أو اختلاف المزاج الدولي، فهناك من يعيد تحالفاته وحساباته من خلال نفض اليد وغسل القدم من استحقاقات الدفاع عن الشعب الفلسطيني والاكتفاء ببيع بعض الشعارات الرنانة أو المواقف الهزيلة التي لا تترجم الى افعال حقيقية.
وذلك بعد أن رأى هذا البعض أنه سيدفع أثماناً لا قبل له بها أو أنه قد يخسر من لحمه الحي أو أن يطاح برأسه أصلاً وهناك من يعتقد أن دوره يقتصر على عقد المؤتمرات وتشكيل اللجان واللف والدوران بين العواصم استجداء لمواقف لم تأتِ ولن تأتِ وهناك من يحاول الايهام بأنه يتقرب من دولة الاحتلال من أجل الضغط عليها وابتزازها ومنعها من المزيد من التطرف والضم والقتل.
وهناك من يعتقد أن دولة الاحتلال تمنع عنه غضب الولايات المتحدة وتمنحه ما يكفي من البقاء أو الاستقرار، وهناك من يحاول القول أنه يقايض المواقف المعتدلة بالمتطرفة من أجل تسوية محتملة ملموسةٍ ولا أحد يدري بالضبط ما هو المعنى الحقيقي لكلمه ملموسة هنا، باختصار فإن الاطراف الإقليمية الغارقة الى اذنيها في الفقر والبطالة والعجز والتهديد بالتفكيك أو حتى الإزالة تفقد القدرة على نصره الشعب الفلسطيني او دفع استحقاقات الوقوف معه.
لهذا ،وبعد تغير الإدارة الأمريكية وقدوم رئيس عنيف ومتطرف وغير صبور، فإن الاطراف في اقليمنا العربي والاسلامي تريد أن تسوي أوضاعها وتحقق مصالحها دون الالتفات إلى الشعب الفلسطيني الذي تزداد مآسيه ويغرق في بحر من التحديات الجديدة، فالحديث عن الدولة الفلسطينية العتيدة يكاد يختفي فعليا وراء الكلام العالمي عن ضم مناطق (ج) والفصل بين القطاع والضفة أو يختفي وراء الكلام عن جهود أو مسارات متوهمة أو حقيقية ومقبولة وصولا إلى دوله فلسطينية اي تم استبدال الكلام عن تجسيد الدولة الى مجرد البدء بمفاوضات فعليه وهو فخ خطير ووهم كبير يجب أن لا تقع الاطراف العربية والفلسطينية فيه.
فلا داعي للمزيد من الوقت في استهلاك الكلام عن الدولة وأهميتها ومضمونها وطريقه اقامتها ولا داعي لانفاق الجهد والوقت واراقة الدم والهدم من أجل الكلام عن موضوع تم قتله مئة مرة بالبحث والحفر والإحاطة، لا يمكن الوقوع في الفخ من جديد خصوصا ان اسرائيل تتحدث علنا عن الضم في الضفة والاستيطان في القطاع والتهويد في القدس المحتلة هذا من جهة أما من جهة اخرى فان الدول الإسلامية في الاقليم ايضاً تحاول تسوية أوضاعها قبل دخول ترامب البيت الأبيض من خلال إعادة تعريف مواقعها في الاقليم العربي الفارغ والمستباح والطامحة للنفوذ وامتلاك اوراق القوه العسكرية والاقتصادية وهو ما يجعلها تعيد حساباتها مع الشعب الفلسطيني من جديد بحيث أن لا تتورط أكثر أو تقدم استحقاقات أكثر مما خططت له أو لم تكن ولن تكون مستعدة لدفعه.
إن رهانات حركه حماس على الأقل لم تحقق المأمول منها حتى الآن ولا يبدو أنها ستحققها في المدى القريب بعد كل ما رأيناه، اخوتنا وأشقاؤنا العرب والمسلمون وقبل دخول ترامب البيت الابيض يحاولون كل على طريقته وأسلوبه أن يقدموا أوراقهم وحسن نواياهم للإدارة الأمريكية الجديدة من خلال تلطيف المطالب الفلسطينية أو تخفيفها أو حتى تجاوزها واغفالها، ولهذا ليس هناك من مقترح موحد حقيقي وفاعل يقف الجميع خلفه من أجل حل القضية الفلسطينية، وليس هناك من موقف عربي أو اسلامي موحد للتخفيف من معاناه الشعب الفلسطيني أو حتى على الاقل وقف آلة القتل الفتاكة التي لم تتوقف عن القتل في الارض الفلسطينية.
اقرأ أيضا| التطبيع العربي الإسرائيلي.. ودوره في ضم الأراضي الفلسطينية
ومن عجب أن يكون الحوار وحتى الجدل حول وقف اطلاق النار بين اسرائيل ورعاتها وليس مع أطراف أخرى، سيقول قائل إن هذا كلام فيه مبالغة وأن الأخوة العرب والمسلمين فعلوا الكثير من أجل الشعب الفلسطيني، وهذا لا أحد ينكره على الاطلاق، ولكن السؤال هو: ما هي النتائج؟ أكثر من ذلك، العاجز والخائف والمتردد عادة ما يميل الى لوم الضحية لا الى معاقبة الجلاد ، وهذا ما يحدث الى حد كبير.
ما الذي يمكن للشعب الفلسطيني أن يقوم به حتى لا يدفع ثمن التسويات ، وحتى لا يكون كبش الفداء للتسويات كلها. هناك طريقان عادة للخروج من الازمات، إما الطريق المرنة والواقعية والتي يتم فيها تخفيض السقوف وتواضع المطالب، وإما الطريق الصعبة والمكلفة حيث يتم الاعتصام بالأحلام مهما كلف ذلك من أثمان.
يعني، هل علينا أن نُقدِم على تسوية مع المحتل مهما كانت صعبة وقاسية لأن الحلفاء والأصدقاء والأشقاء تخلوا عنا، وهل علينا أن نعترف بالخسارات ولذلك وجب تغيير الاتجاه؟! أم هل علينا أن نتمسك بالمواقف الأخيرة من أجل الأهداف الأخيرة ؟!
المشكلة هذه المرة، أن المحتل لم يبق لنا حتى ترف الاختيار بين المرونة والتشدد .. المحتل هذه المرة لا يريد منا الاختيار على الاطلاق. في حالتنا ، أفشل المحتل فكرة التسوية وأجهضها بحجة أننا فشلنا في الطاعة والاذعان، وأفشل المحتل كذلك مقاومتنا لأنها لم تخضع لشروطه وأهدافه، بعد كل ذلك نحن ومحتلنا في أزمة عميقة، كلانا يرفض التسوية وكلانا يرفض الهزيمة وهذا موضوع آخر.