تشكل مسألة العثور على مقاتلين وتجنديهم الهم الأكبر بالنسبة لأوكرانيا ورعاتها الغربيين، حيث لم تنجح كل سياسات تجنيد المقاتلين في الحد من النقص الهائل في الزاد البشري الأوكراني لمجابهة توغل القوات المسلحة الروسية المستمر بالتوسع يوماً بعد آخر. وتتبع كييف نهجاً يقوم على البحث عن مقاتلين في الدول التي تشهد نزاعات مستمرة، والتي تكثر فيها الجماعات المقاتلة والحركات المسلحة أو الانفصالية، بمعزل عن انتماءاتها الأيديولوجية.
بعدما جندت عدداً كبيراً من الأفارقة الذين ينشطون في القتال ضمن صفوف المتمردين في غير دولة إفريقية، بدأت كييف تنشط في تجنيد المقاتلين المنتمين الى تنظيمات إسلامية، وخصوصاً تلك التي تنشط في العراق وسوريا، حتى ولو كانت مصنفة إرهابية لدى العديد من كبريات الدول الغربية. وينبع ذلك من تمرس هؤلاء المقاتلين وخبراتهم الميدانية، بما يوفر الكثير من الوقت والجهد على أوكرانيا.
وفي هذا الإطار، تفيد بعض التسريبات الإعلامية الغربية أنَّ أوكرانيا عملت في الآونة الأخيرة على جذب مقاتلي حزب “التجمع اليمني للإصلاح”، من أجل المشاركة بالحرب ضد القوات المسلحة الروسية. وتشير التسريبات الى أن المقاتلين اليمنيين المنتمين لـ”الإصلاح” يخضعون لدورات تدريبية مدتها ثلاثة أسابيع. وبعد ذلك يتم إرسال 30 مقاتلاً في كل دفعة للعبور الى الأراضي الأوكرانية عبر تركيا.
يشرف على هذه العملية وزير الدفاع اليمني الأسبق ومستشار رئيس مجلس القيادة الرئاسي، محمد علي أحمد المقدشي، والذي تولى سابقاً قيادة القوات المسلحة اليمنية عقب الانقلاب الذي نفذته جماعة “الحوثيين” الإرهابية ضد الحكومة الشرعية. والمقدشي يعد من المقربين البارزين لحزب “التجمع اليمني للإصلاح”.
إلى جانب القيادي البارز في المنظومة العسكرية للأخير اللواء عبده فرحان سالم المخلافي، والذي يعد الحاكم العسكري الحقيقي لمحافظة “تعز” اليمنية، وسبق أن ذاع صيته في العديد من الفضائح والتسريبات المتعلقة بالفساد واضطهاد المدنيين وتعذيبهم، وتجنيد اليمنيين للقتال في صفوف تنظيمات إسلامية إرهابية. بالاشتراك مع أحد أبرز القادة السياسيين في “الإصلاح”، مبخوت بن عبود الشريف، ورئيس مكتبها التنفيذي في محافظة “مأرب”، التي تختزن الكثير من الثروات النفطية والأثرية.
فرع لـ”الإخوان المسلمين”
تأسس حزب “التجمع اليمني للإصلاح” عام 1990 غداة إقرار التعددية السياسية في اليمن بعد توحيده، ويعد امتداداً لتنظيم “الإخوان المسلمين”. يضم خليطاً من القيادات القبلية والدينية مع رموز إخوانية، مما أسهم في تجذره في الفسيفساء اليمنية المعقدة. دخل السلطة عام 1993، وشارك في نظام حكم الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح بحصة تفاوتت في الحجم والتأثير حسب المتغيرات السياسية. أيد الحراك الشعبي اليمني عام 2011 الذي عرف بـ”ثورة شباط (فبراير)”، وانخرط أعضاءه في قتال جماعة “الحوثيين” الإرهابية التي اجتاحت العاصمة اليمنية “صنعاء”، واستولت على الحكم فيها منذ عام منذ عام 2014.
اقرأ أيضا| أزمة اليمن.. وكلمة السر
حزب “التجمع اليمني للإصلاح” هو واحد من أركان السلطة المعترف بها دولياً بقيادة المجلس الرئاسي اليمني، الذي يرأسه رشاد العليمي. ويسيطر على محافظتي “تعز” (شرق اليمن)، و”مأرب” (وسط اليمن). ويعاني الكثير من الإشكاليات مع حلفائه في السلطة، ولا سيما مع التقارير الإعلامية التي تتحدث عن مفاوضاته السرية مع جماعة “الحوثيين”. هذه المفاوضات تسارعت وتيرتها خلال العام الجاري، عقب عملية السابع من تشرين الأول (أكتوبر) في غزة، وما أفضت اليه من تقارب بين تنظيمات وأفرع “الإخوان المسلمين” وإيران وأذرعها في المنطقة.
مفتي أوكرانيا همزة الوصل
تشير التسريبات الإعلامية الغربية الى أن العلاقة الناشئة بين “التجمع اليمني للإصلاح” ونظام كييف، لعب فيها مفتي الإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا، سعيد إسماعيلوف (أو سيرجي إسماجيلوف في جواز السفر، حسبما أوضح بنفسه في تصريحات لوسائل إعلامية)، دور “حلقة الوصل” بين ممثلي “الإصلاح” والقوات المسلحة الأوكرانية. وإسماعيلوف هو باحث أوكراني متخصص في الدراسات الإسلامية، تولى شؤون الإفتاء لمسلمي أوكرانيا، وكان زعيمهم الروحي طيلة 13 عاماً.
غداة اندلاع الصراع في أوكرانيا في شباط (فبراير) 2022، ترك إسماعيلوف منصبه، وانضم الى القوات المسلحة الأوكرانية، حيث يعمل كسائق ومسعف. وأطلق عدة مبادرات لجمع التبرعات من أجل دعم الجيش وسائر الهياكل الأمنية المنخرطة في القتال إلى جانبه. علاوة على دوره كوسيط في عملية تجنيد المقاتلين الإسلاميين من وراء الحدود، أطلق نداءات كثيرة موجهة الى العالم الإسلامي لمساعدة كييف. فضلاً عن كونه يلعب دوراً بارزاً في تحفيز المسلمين في عداد الجيش الأوكراني على القتال.
ساعده منصبه الديني وثقافته الإسلامية الواسعة على إنشاء صلات مع مختلف التيارات الإسلامية حول العالم، ومن بينها جماعة “الإخوان المسلمين”، والعمل على تطويرها وتوظيفها بما يخدم أهداف نظام كييف. ومن خلفه رعاته الغربيين، الذين يواصلون اعتماد ازدواجية المعايير القانونية والأخلاقية في سياساتهم، حيث تكون التنظيمات الإسلامية إرهابية حينما لا تتسق مع أهدافهم أو تتضارب مصالحهم معها، وهي نفسها تتحول إلى جمعيات دينية وثقافية وحركات تحرر حينما يكون هناك هدف مشترك، كما هو الحال مع روسيا اليوم.