ما من شك في أنَّ العالم أجمع بات أمام تحدٍ بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، حيث يعد ذلك حدثًا تاريخيًا ونقلة نوعية في مسار العدالة الدولية. القرار يمثل خطوة غير مسبوقة نحو محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات المستمرة بحق الشعب الفلسطيني الذي ظل يعاني لعقود طويلة من الجرائم الإسرائيلية الممنهجة.
هذا الحكم يعكس اعترافًا دوليًا بالجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي على مستوى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة في قطاع غزة. تشمل هذه الانتهاكات القصف العشوائي للمناطق السكنية، واستهداف المدنيين بمن فيهم النساء والأطفال، وهي جرائم ترتقي إلى مستوى الإبادة الجماعية وتخالف القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف. هذا الأمر يفرض على المجتمع الدولي التحرك الجاد لمحاسبة مرتكبيها بغض النظر عن مواقعهم السياسية أو العسكرية.
إصدار مذكرة الاعتقال يوجه رسالة واضحة من المجتمع الدولي بأن الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني لن تمر دون عقاب. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة رغم أهميتها تحتاج إلى دعم سياسي ودبلوماسي قوي من الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي لضمان تنفيذها بشكل فعال.
القرار يعكس تطورًا إيجابيًا في تعامل المجتمع الدولي مع الاحتلال الإسرائيلي، ويمثل بارقة أمل للشعب الفلسطيني في نيل حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967. هذه الخطوات القانونية تعزز الجهود الرامية إلى إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني ومواجهة الجرائم المستمرة بحقه.
اقرأ أيضا| القرارات الدولية.. وتغيير آليات التضامن الشعب الفلسطيني
يمارس الاحتلال الإسرائيلي سياسة ممنهجة لقتل الإنسان الفلسطيني من خلال فرض حصار على قطاع غزة وتقليص عدد الشاحنات التي تدخل عبر معبر كرم أبو سالم. هذا الانتقال من القتل بالصواريخ والقذائف إلى القتل بالحرمان والتجويع يعد انتهاكًا صارخًا للقوانين والأعراف الدولية.
أسفرت حرب الإبادة وعدوان الاحتلال المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 عن استشهاد 44,466 مواطنًا، أغلبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة 105,358 آخرين، في حصيلة غير نهائية. لا يزال آلاف الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، حيث تعجز طواقم الإسعاف والإنقاذ عن الوصول إليهم.
لا بد من تقدير موقف جنوب إفريقيا المتميز ودور كل من ساهم في دعم القضية الفلسطينية في هذه الظروف الدقيقة. ظلت جنوب إفريقيا في طليعة الدول الساعية لتحقيق السلام العادل والشامل، وبذلت جهودًا دؤوبة لإنهاء الصراع وضمان الأمن والاستقرار في المنطقة، بما يحقق مصالح الشعوب العربية كافة.
يجب على جميع الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية والقوى الدولية التعاون الجاد لممارسة الضغوط اللازمة لتنفيذ قرارات المحكمة. إن الالتزام بتطبيق العدالة بمفهومها الشامل هو السبيل الوحيد لإنهاء حالة الإفلات من العقاب التي استفاد منها الاحتلال لعقود. كما ينبغي لمجلس الأمن احترام استقلال المحكمة الجنائية الدولية واختصاصها القضائي وفق نظام روما الأساسي، ودعم جميع الجهود الرامية إلى المساءلة عن الجرائم الدولية الأكثر خطورة.