دولة الإحتلال

مجلس الحرب الإسرائيلي وواشنطن .. خلافات استراتيجية أم مناورة تكتيكية؟

هذا الانقسام السائد داخل مجلس الحرب والذي انعكس على تصريحات أعضائه إلى جانب مواقف الأحزاب السياسية في المشهد السياسي الإسرائيلي، لا يتعلق بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وليس بحثاً عن إيجاد حل سياسي بناء على الوضع الراهن، بل هو ناجم عن ثلاثة ملفات، تتبلور وفق الآتي:

بالتزامن مع تزايد حدة الانقسام والتشرذم داخل مجلس الحرب الإسرائيلي الناجم عن تراكم الخلافات القائمة بين التيار اليميني المتشدد الرافض لأي تهدئة كانت بهدف استعادة الأسرى، معتبرة أي اتفاق يمكن التوصل إليه على أنه بمثابة نصر يسجل للفصائل المقاومة في قطاع غزة، وبين التيار الآخر الذي يصنف بالمعارضة الإسرائيلية ممثلاً برئيس حزب «معسكر الدولة» بني غانتس الذي يعتقد أنه لابد من الاستجابة للمطالب الأميركية الساعية للتوصل إلى اتفاق مؤقت تستطيع من خلاله إسرائيل من استعادة أسراها من جانب، ويخفف الضغط الداخلي والخارجي على إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن المرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، في ظل وضع انتخابي وصفته وسائل الإعلام الأميركية بأنه «الأسوأ» لرئيس أميركي وفق استطلاع الرأي.

هذا الانقسام السائد داخل مجلس الحرب والذي انعكس على تصريحات أعضائه إلى جانب مواقف الأحزاب السياسية في المشهد السياسي الإسرائيلي، لا يتعلق بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وليس بحثاً عن إيجاد حل سياسي بناء على الوضع الراهن، بل هو ناجم عن ثلاثة ملفات، تتبلور وفق الآتي:

أولاً- ملف الأسرى: إذ يروج متزعمو التيار اليميني المتطرف أن استعادة الأسرى لا يمكن أن يتحقق إلا باستمرار العمليات العسكرية ضد قطاع غزة واستعادة هؤلاء الأسرى بالقوة العسكرية أو بإجبار حركات المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها «كتائب الشهيد عز الدين القسام» الذراع العسكري لحركة حماس، على ذلك، ومن يراجع تصريحات كل من وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، إلى جانب تصريحات كل من وزير التراث الإسرائيلي، عميحاي إلياهو، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، يلمس بوضوح تأكيدهم أن الرضوخ لمطالب الفصائل الفلسطينية سواء في إطلاق القوائم من الأسماء المطلوبة أو من حيث عددها، هزيمة لإسرائيل وخطر على «أمنها القومي» وتهدد بعملية أخرى شبيهة لعملية «طوفان الأقصى» التي حصلت في السابع من تشرين الأول من العام الماضي والتي خطط لها وساهم بتنفيذها عدد من المعتقلين الفلسطينيين الذين أطلقوا بناء على ما عرف بصفقة «شاليط» 2011، في حين أن الشخصيات المعارضة سواء تلك الممثلة داخل مجلس الحرب أو خارجه، فإنها تضغط على حكومة نتنياهو للقبول بتهدئة مؤقتة لاستعادة الأسرى لاعتبارات تتعلق بالترويج الانتخابي المبكر من ناحية، ولعدم استعداء الحليف الأميركي ومراعاة الوضع الانتخابي للرئيس بايدن من ناحية أخرى، ولإيقاف تدهور صورة هذا الكيان على المستوى الدولي.

ثانياً- سيناريو ما بعد الحرب على غزة، ومن أبرز النقاط التي ساهمت في تعميق الخلاف بين أعضاء مجلس الحرب هو الاتفاق على الوصول لصيغة أو رؤية لمرحلة ما بعد انتهاء العدوان على قطاع غزة، إذ يصر نتنياهو ومن خلفه أركان ائتلافه اليميني، على رفض أي دعوة تتعلق بإقامة دولة فلسطينية، بمقوماتها الدنيا، تدعو إليها واشنطن حتى يومنا هذا في خطاباتها الإعلامية، حتى إن ما عُرف بورقة نتنياهو لمرحلة ما بعد الحرب لم تكن سوى صيغة ملمعة عن صورة الاحتلال غير المباشر سواء كان من خلال تجريد القطاع من أسلحته أم بإقامة سلطة مدنية توافق عليها إسرائيل أو من حيث بقاء قوات الاحتلال داخل القطاع أو على مشارف المناطق بداخله، في حين لا يمانع التيار الآخر داخل مجلس الحرب من الانصياع للرؤية الأميركية الساعية لتحقيق رؤية اليمين ولكن بأساليب وأدوات أميركية وبما لا يضر بمصالحها في المنطقة ومن دون أن تخرج الأمور عن سيطرة «المايسترو» عبر القبول بالطرح لما يعرف بإقامة الدولتين، والأصح الدولة الفلسطينية «الخلبية».

في هذه النقطة لابد من التأكيد على أن اليمين واليسار والحكومة والمعارضة داخل إسرائيل متوحدة فيما يتعلق بتهجير الفلسطينيين إلا أن الاختلاف يكمن من حيث الآليات ووسائل التنفيذ.

ثالثاً- العلاقة مع إدارة البيت الأبيض، فصحيح أن عملية «طوفان الأقصى» وحدت الشارع الإسرائيلي الذي انقسم نتيجة مشروع قرار تعديل مهام المحكمة الدستورية، وإعادة المياه لمجراها في العلاقة الشخصية بين نتنياهو وبايدن الذي ساهم بعرقلة وصول الأول لرئاسة الحكومة الإسرائيلية السادسة والثلاثين في عام 2021 داعماً ما عرف بتحالف «بينت – لابيد» لتشكيل هذه الحكومة، لذلك فإن الخلاف بين أعضاء الحكومة يكمن في العلاقة الشخصية مع بعض إدارة البيت الأبيض، إذ يسعى بني غانتس الذي أجرى زيارة إلى الولايات المتحدة الأميركية للقاء مسؤوليها مستغلاً طبيعة الخلاف بين بايدن ونتنياهو ولاسيما بعد خضوع الأخير لمطالب ائتلافه من اليمين وتوريط واشنطن في مستنقعات الشرق الأوسط، في حين أن اليمين لديها مؤيدوها داخل إدارة بايدن وعلى رأسهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن، الذي لعب دوراً محورياً في دعم إسرائيل بعدوانها على قطاع غزة على المستويين السياسي والعسكري، وفي الوقت ذاته فإن نتنياهو يبحث عن سبل الانتقام من بايدن لما فعله في عام 2021، كما أن اعتقاد نتنياهو وحلفائه من اليمين، يزداد تجلياً في تراجع مؤشرات عودة بايدن للحكم، لذلك هم يستمرون بهذا العدوان على أمل منهم بأن الرئيس الجمهوري دونالد ترامب سيعود مجدداً للحكم في البيت البيضوي، وهو ما سيسهم من ناحية باستمرار تنفيذ مشروع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة من جانب، وسيدعم تموضع اليمين المتطرف داخل الكيان الإسرائيلي ويسهم في تحقيق مشروعهم الإقليمي من جانب آخر.

زيارة بني غانتس لواشنطن وحالة الانزعاج التي عبر عنها سموتريتش واصفاً عضو مجلس الحرب بأنه «الحلقة الأضعف» في الحكومة بسبب تنفيذه المشروع الأميركي، هذا التصريح يحمل الكثير من الدلالات، أبرزها أن واشنطن تسعى بهذا التوقيت السياسي للبحث عن شخصية بديلة لنتنياهو لرئاسة الحكومة ويعد غانتس هو أكثر الشخصيات ترجيحاً لكونه ذات خلفية عسكرية مؤسساتية يمكن الاستعانة به من دون تمرد، فضلاً عن زيادة شعبيته داخل الكيان وفق استطلاعات الرأي التي أجرتها صحيفة «معاريف» الإسرائيلية منذ أشهر، أو أن واشنطن تريد الضغط على مجلس الحرب وحكومة اليمين عبر شخصيات تتمثل ببني غانتس وغيره يتبنون الرؤية الأميركية من دون الذهاب نحو إسقاط الحكومة، نتيجة الخشية من إدخال إسرائيل في حرب أهلية لوح بها بن غفير سابقاً، أو هناك مسعى من قبل الإدارة الأميركية لمعرفة مخطط نتنياهو لاجتياح رفح.

بالعموم حتى اللحظة الولايات المتحدة، مازالت تحافظ على دعمها لإسرائيل بغض النظر عن العلاقة الشخصية بين نتنياهو وبايدن، فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك ثلاثة معطيات ميدانية وسياسية تؤكد على عدم جدية الولايات المتحدة على معالجة الملف الإنساني في قطاع غزة، هذه المعطيات يمكن إيجازها وفق الآتي:

أولاً- استمرار تقديم الأسلحة الاستراتيجية والنوعية الأميركية لإسرائيل على شكل مبيعات أو مساعدات.

ثانياً- الجمود الذي يسود مجلس الأمن بعد اعتراض المندوبة الأميركية على مشروع الجزائر واستخدامها للمرة الثالثة حق النقض «الفيتو» وتأخير تقديم مشروع واشنطن حول تقديم المساعدات، وهو ما يفسر محاولة واشنطن ربط تقديم مشروعها بنتائج مسار المحادثات التي تجري بناء على مخرجات باريس.

ثالثاً- إلقاء القوات الأميركية للوجبات الغذائية من خلال طائرات، هي خطوة تعبر عن عدم رغبة واشنطن في ممارسة الضغط على تل أبيب من جانب فيما يتعلق بموضوع إدخال المساعدات، ومن جانب آخر محاولة من قبل الإدارة الأميركية لتلميع صورتها لتخفيف حجم الضغوط الداخلية والدولية عليها، وما يؤكد هذه النقطة أن واشنطن ألقت بوجبات صلاحياتها محددة بساعات قليلة، لذلك لا خلافات استراتيجية بين تل أبيب وواشنطن بل هي عبارة عن مناورة تكتيكية.

محمد نادر العمري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى