شدَّت الانتباهَ أخبارُ حربِ اليمن منذ ربيع عام 2015 إلى أن اندلعت حربُ أوكرانيا ربيع عام 2022، فأعقبها دخول اليمنيين مرحلةَ هدنة تمهد طريق السلام، وتراجعت أخبارهم قليلاً مع الانشغال بحرب السودان ربيع عام 2023… يا له من ربيع يزهر حرباً!
ثم أخذ «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 اهتمام العالم فغرق وسط تداعيات حرب غزة وسقوط أوراق ورؤوس تلو أخرى، أثناء خريف 2024.
من «أكتوبر الأسود» – بالنسبة لتل أبيب – وبدعوى دعم ونصرة أهل غزة في فلسطين، رجعت ضمن الأخبار العاجلة أنباء إطلاق الصواريخ والمُسيَّرات من مناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) داخل اليمن، وخطف السفن، وتهديد أمن الملاحة الدولية، وتعطيل حركة الشحن في البحر الأحمر… و«إطلاق 1000 قذيفة» حسب إعلاميين إسرائيليين يهوّلون «الخطر الحوثي…».
ظنّاً أنَّ الحسنات تجاه فلسطين تمحو السيئات تجاه اليمن، تشاغلت هذه الجماعة بحرب غزة عن خريطة الطريق لوقف النار باليمن المعلنة أواخر ديسمبر (كانون الأول) 2023. لعلَّها خمَّنت أنَّ تدخُّلها مع محور المقاومة الذي تنتسب إليه سيُسفر عن إيقاف جرائم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وانتهاكاته؛ على عكس ما اشتهوا، فإنَّ تمادي التصعيد زاد الجميعَ عتواً يصعب معه التراجع عمَّا أقدموا عليه، أو مراجعة سلوك المحتل نفسه الذي ما أدار خده الآخر لمن يصفعه قط… كفراً بتعاليم المسيح عليه السلام؛ فإيمانه بـ«ياهوه العنيف» يهيجه على من يمسُّ «مكانه بين الأمم – تحت الشمس» غير مكترثٍ وغير مبالٍ بما يقال وسيقال… أو تُدينه «الجنائية الدولية».
اقرأ أيضا| جرائم الحوثيين بحق قبائل ومشايخ اليمن: محاولة لإنهاء دورهم
«ما نُبالي!» إنه ديدن ولسان «الإخوة المتطرفين» من صنعاء إلى تل أبيب.
التاريخ شاهدٌ غير مندهش من التوحش الإسرائيلي تجاه حقوق الفلسطينيين؛ والاعتداء على سيادة دولة لبنان منذ أوت فدائيي فلسطين، وبدأت عملياتهم أواخر الستينات حتى أُخرِجوا منها، وتوزعوا بين اليمن وتونس عقب اجتياح لبنان أول الثمانينات، وكذا الانتقام من عمليات «حزب الله» باغتيال الأمين السابق عباس الموسوي أوائل التسعينات، ومؤخراً اغتيال الأمين اللاحق حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، بعد قائد حركة «حماس» إسماعيل هنية في طهران وقبل خلفه يحيى السنوار في غزة، ومواصلة الإغارة على ضواحي وأحياء المدن اللبنانية وغزة. كذلك طالت صواريخها إيران وسوريا، وتهدد بشن الهجمات على العراق بسبب الفصائل هناك.
في سياق «استعادة الردع»، ورداً على مُسيَّرَات «الاختلال» الحوثي منتصف يوليو (تموز) وآخر سبتمبر (أيلول) 2024، مد الاحتلال الإسرائيلي «ذراعه الطويلة» إلى اليمن بضربات أقسى على المواطنين الأبرياء فقط من غارات «تحالف حارس الازدهار» المشكَّل بقيادة واشنطن للحد من تأثير الميليشيا التي زادت بذلك حضوراً علاوةً على التضخيم الإعلامي والتفاعل «الشعبوي» مع ما يُطلَق من اليمن «البعيد» عن أرض فلسطين، مثل بُعد تونس.
… لأن تونس بعيدة، ما اهتم الإسرائيليون بدعوة الرئيس الحبيب بورقيبة – رغم أهميتها وعقلانيتها المبكرة، ربيع 1965- حول تفاوض العرب معهم، وقبول «قرار التقسيم» الذي كان سيضع حدوداً، ويمنع التوسع.
بمجرد قياس مسافة 2300 كم، يتضح ألا كبيرَ تأثيرٍ لما يُطلَق ويُسَيَّر من بعيد؛ وما لم يُصَب أحد في الكيان «المحتل» الذي لا يُبالي بشيءٍ غيره لن يضر شيءٌ «المختل» الذي لا يُبالي – أصلاً – بشيءٍ غيره، ويتطلب وقتاً لإدراك أن لا قيمة كبيرة للنصرة ممن لا ينصر بلده أولاً، وأن الأولى بجميع اليمنيين إصابة هدف إعادة الاستقرار و#السلام_لليمن بوصفه أفضل حوافز متابعة أخبار بِناء بلدهم، وتنميته وإعماره، وليس التسبب في فنائه ودماره.